عباس باشا الأول

 

صورة مرسومة لعباس باشا الأول يمتطي صهوة جوادة

عباس باشا الأول حاكم مصر 1848-1855

عباس باشا الأول هو عباس حلمي بن أحمد طوسون باشا بن محمد علي باشا. ولد في الحجاز عام 1813م في وقت كان والده يقاتل ضد الدولة السعودية الأولى هناك، ثم انتقل لاحقًا إلى القاهرة، بذل جده محمد علي شيئًًا من العناية في تعويده ولاية الحكم، إذ كان أكبر أفراد الأسرة العلوية سنًّا وبالتالي أحقهم بولاية الحكم بعد عمه إبراهيم باشا.

 

ومن الناحية العسكرية، فقد اشترك مع عمه إبراهيم باشا في الحرب السورية، وقاد فيها إحدى الفيالق، ولكنه لم يتميز فيها بعمل يدل على البطولة أو الكفاءة، وبالتالي لم تكن له ميزة تلفت النظر، سوى أنه حفيد رجل عظيم أسس ملكًًا كبيرًا، فصار إليه هذا الملك، دون أن تؤول إليه مواهب مؤسسة، فكان شأنه شأن الوارث لتركة ضخمة جمعها مورثه بكفاءته وحسن تدبيره وتركها لمن هو خالٍ من المواهب والمزايا. وعاد إلى مصر ليتسلم حكم المقاطعة الغربية، فلم يوفق؛ فثار وتذمر السكان منه لقساوته وخشونته، ثم تسلم إدارة مزارع الخيول والإسطبلات في "شبرا"، ولم يكن في إدارته مثلاً للحاكم البار بل كان له من التصرفات ما ينم عن القسوة، وكان يبلغ جده نبأ بعض هذه التصرفات فينهاه عنها ويحذره من عواقبها، ولكن طبيعته كانت تتغلب على نصائح جده وأوامره. وكان إبراهيم باشا لا يرضيه منه سلوكه وميله إلى القسوة وكثيرًا ما نقم عليه نزعته إلى إرهاق الآهلين، حتى اضطره إلى الهجرة للحجاز وبقي هناك إلى أن داهم الموت عمه إبراهيم.

كان متغيبًا بالحجاز لما عاجلت المنية إبراهيم باشا، فاستدعي إلى مصر؛ ليخلفه تنفيذًًا لنظام التوارث القديم الذي يجعل ولاية الحكم للأرشد فالأرشد من نسل محمد علي، وتولى الحكم في 24 نوفمبر سنة 1848.

بقي في حكم مصر خمس سنوات ونصفًًا، وقد بنى قصرًا فخمًا بصحراء الريدانية التي تحولت إلى العباسية أحد أشهر أحياء القاهرة سميت من ذلك الحين باسمه، وكانت في ذلك الوقت في جوف الصحراء، وقد شاهد المسيو فرديناند ديلسبس هذا القصر سنة 1855 فراعته وضخامته، وذكر أن نوافذه بلغت 2000 نافذة، وهذا وحده يعطينا فكرة عن عظمة القصر واتساعه، فكأنه بنى لنفسه مدينة في الصحراء، كما بنى قصرًا آخر نائيًا في الدار البيضاء الواقعة بالجبل على طريق السويس ولا تزال آثاره باقية إلى اليوم. وقصر بالعطف، كما بنى قصرًا في بنها على ضفاف النيل بعيدًا عن المدينة، وهو القصر الذي قتل فيه.

وقد أساء الظن بأفراد أسرته وبكثير من رجالات محمد علي باشا وإبراهيم باشا، وخيل له الوهم أنهم يتآمرون عليه؛ فأساء معاملتهم، وخشي الكثير منهم على حياتهم فرحل بعضهم إلى الأستانة والبعض إلى أوروبا خوفًا من بطشه، واشتد العداء بين الفريقين طول مدة حكمه. وبلغ به حقده على من يستهدفون لغضبه أنه حاول قتل عمته الأميرة نازلي هانم، واشتدت العداوة بينهما حتى هاجرت إلى الأستانة خوفًا من بطشه.

وقد سعى في أن يغير نظام وراثة العرش؛ ليجعل ابنه إبراهيم إلهامي باشا خليفته في الحكم بدلاً من عمه سعيد باشا، ولكنه لم يفلح في مسعاه، ونقم على سعيد الذي كان بحكم سنه وَليًّا للعهد واتهمه بالتآمر عليه، واشتدت بينهم العداوة حتى اضطره أن يلزم الإسكندرية، وأقام هناك بسراي "القباري"، وكان مولعًا بركوبة الخيل والهجن يقطع بها المسافات البعيدة في الصحراء، وله ولع شديد باقتناء الجياد الكريمة؛ حيث كان يجلبها من مختلف البلاد ويعنى بتربيتها عناية كبرى، وبنى لها الإسطبلات الضخمة وأنفق عليها بسخاء شأنه شأن هواة الخيل، وهو المجال الذي أثبت فيه مهارة وتفوقًا كان يحسده عليه كل أفراد عائلته.

لقد مارس عباس باشا تربية الخيول أكثر من عشرين عامًا، وإليه يرجع الفضل في الحفاظ على الخيل العربية، كما أنه بذل جهودًا جبارة للحصول على أطيب الجياد العربية، ساعده على ذلك علاقته المتينة بالأمراء والقادة العرب، ومات مقتولاً في 1854 بقصره الكائن في بنها.