صفات الخيول العربية الأصيلة
تتصف الخيول العربية الأصيلة بصفات ومميزات بعضها خاصة بالخيول، عامة، وبعضها الآخر تنفرد بها من بين سلالات الخيول في العالم. ومن هذه وتلك:
1- حب الموسيقى
فالخيول وخاصة العربية، تحب الموسيقى وتطرب لها، ففي الحفلات والاستعراضات تتمايل بفرسانها على أنغام الطبل والمزمار وغيرها من أدوات الطرب، وربما رقصها بعضهم في استعراضات السيرك على أنغام الموسيقى.
اسطبلات حمدان
2- الصحة الجيدة
وتتميز هذه الصحة بجملة أمور منها:
- الخصوبة العالية، فحالات العقم سواء لدى الحصان العربي الأصيل أم الفرس العربية الأصيلة نادرة جدًّا. والحصان العربي لا يفقد قدرته التناسلية حتى ولو تقدم في السن، فكثيرًا ما نجد أفراسًا قد أنجبت عشرين مهرًا وأحصنة عربية استخدمت لغرض التناسل رغم بلوغها الثلاثين من عمرها.
- الشفاء العاجل من الجروح وكسور عظامه بفعل تعرضه للحوادث المختلفة. والغريب في الأمر، كما يقول زيدل، أن خيول البدو التي كسرت عظامها وجبرت بطريقة غير سليمة تقوم هي الأخرى بواجباتها أحسن قيام، فتركض، وتقفز، وتقطع المسافات الطويلة.
- الاكتفاء بقليل من الطعام، والانتفاع بالعلف أكثر من السلالات الأخرى. يقول كلينسترا: "أظهرت مسابقات المسافات الطويلة الصعبة جدًّا التي نظمت في الولايات المتحدة في العشرينيات أن الخيول العربية الأصيلة التي شاركت في تلك المسابقات احتاجت فقط إلى 60% من الوجبات اليومية لبقية الخيول المشاركة لتفوز بالسباق".
- التمتع بجهاز تنفسي ممتاز، وذلك بفعل سعة قصبته الهوائية بالنسبة إلى حجمه، وضخامة قفصه الصدري، وهذا ما يساعد على إدخال كميات كبيرة من الأكسجين إلى الرئتين دفعة واحدة. ويستفاد من الفحوص المخبرية التي أجريت على دماء الخيول العربية الأصيلة وعلى دماء غيرها أن كمية اليحمور (HEMOGLOBINE) (مادة آحية زلالية يتألف منها العنصر الملون في دم الفقاريات) الموجودة في لتر واحد من الدم عند الخيول العربية الأصيلة تفوق الكمية الموجودة عند باقي الخيول، ولذلك يستطيع الجواد العربي أن ينقل كميات أكبر من الأكسجين في كل لتر دم.
اسطبلات حمدان
3- الصبر والقدرة على تحمل المشقات والفوز بالسباقات الطويلة
إن قدرة الخيول العربية الأصيلة على تحمل المتاعب والمشاق يفوق كل وصف، ولقد أثبتت التجارب أن قطع المسافات الطويلة هي من اختصاص الجواد العربي الأصيل. وقد نظم في الولايات المتحدة أول سباق للخيل بالنسبة للمسافات الطويلة في فيرمونت بتاريخ 16 و17 سبتمبر 1917، وذلك بمشاركة الخيول العربية الأصيلة. وكانت المسافة طويلة جدًّا حيث أعطيت الأولية في هذا السباق للوقت. امتد السباق على مسافة 154 ميلاً، أي 246 كيلو مترًا، وبوزن 72,5 كيلو غرام. وفاز في المسابقة الجواد العربي الأصيل "يقيس"، وهو جواد أشهب يبلغ 13 سنة من نوع كحيلة العجوز، وقد قطع مسافة 246 كيلو مترًا في ظرف 30 ساعة و16 دقيقة.
كان السباق الثالث الذي نظم في أكتوبر سنة 1921 أصعب سباق على الإطلاق؛ حيث فرض على الخيل أن تحمل 111 كيلو غرامًا، وأن تقطع هذه المرة أيضًا مسافة 60 ميلاً خمس مرات. وقد عمد المشرفون على السباق إلى إدراج مسافات طويلة مرصوفة بالحصباء في برنامج السباق مما جعل قوائم الخيل المتسابقة تخضع لامتحان عسير جدًّا.
وقد ساعدت هذه المسافات الصعبة المعنيين بالأمر على معرفة الخيل التي تتمتع بالقوائم الأكثر صحة وسلامة. وبذل أصحاب الخيول الإنجليزية الأصيلة قصارى جهدهم للفوز بهذا السباق، وكان هذا السباق في غاية الصعوبة بحيث لم يتمكن من بلوغ الهدف سوى سبعة جياد، وذلك رغم التدريبات التحضيرية التي أجريت قبل المسافة. وكان النصر، في هذه المرة أيضًا، من حظ الجواد العربي الأصيل "كرابت بارك" في إنجلترا، ويرجع أصله إلى الجواد مسعود.
ومما يروى عن صبر الحصان العربي ما نقله المستشرق الإنجليزي "ديكسون" عن المستشار البريطاني في الكويت سنة 1930. وفي القصة أنه "كان فيصل الدرويش قد ثار على الملك عبد العزيز آل سعود، وأرسل ابنه عبد العزيز المعروف بعزيز على رأس خمسمائة مقاتل. وكان هدف عزيز الوصول إلى آبار الماء قبل أن يحتلها جيش الملك عبد العزيز. ولكن جيش الملك كان قد سبقه إلى احتلال الماء؛ لأن من يحتل الماء قبل خصمه يضمن النصر بسبب تأمين مياه الشرب للجيش وللخيول في صحراء شح فيها الماء، وكاد ينعدم. وكان الفصل صيفًا ودرجة الحرارة 77 درجة مئوية. واستشار عزيز أصحابه فيما يفعل، فأشاروا عليه بعدم خوض المعركة؛ لأنهم بحاجة إلى الماء إلا أنه خالفهم وقرر أن يخوض المعركة مهما كلف الأمر. واستهلك جميع الماء الذي كان بحوزته، وسقًا فرسه قبل بدء القتال. وكانت النتيجة أن قتل عزيز وهزم جيشه، ولاذ عبده بالفرار على ظهر فرس سيده الشهيرة، وتوجه بها إلى الجهرة في اتجاه الكويت والتي تبعد عن مكان المعركة 290 كيلو مترًا قطعها العبد في صحراء قاحلة تحت أشعة الشمس المحرقة لمدة ثلاثة أيام دون أن تتناول الفرس ماءً أو طعامًا.
اسطبلات حمدان
4- الشجاعة والحماسة
نتيجة الحياة القاسية التي عاشها الحصان العربي الأصيل مع العرب في صحرائهم الموحشة وبين الحيوانات المتوحشة، هذه الحياة المليئة بالغزوات، والحروب، فقد اكتسب شجاعة نادرة أصبحت عبر القرون جزءًا لا يتجزأ من حياته النفسية، وخصاله الحميدة. يقول دافنبورت: "يتحلى الجواد العربي الأصيل بشجاعة وحماسة لا مثيل لهما". ويقول براون: " يتميز الجواد العربي الأصيل عن باقي أنواع الخيول بشجاعته المنقطعة النظير. فهو لا يخشى حتى الأسد والنمر، بل إنه يستخدم في الهند لصيد هذه الحيوانات المتوحشة. ويقول كلنسترا في كتابه "الأصالة الصحراوية": لقد تأكدت من شجاعة الأفراس الصحراوية عن طريق فرسي نجمة. ركبت ذات مساء فرسي بدون لجام مستعينًا في قيادته بالزمام فقط. وكانت الشمس مشرفة على المغيب، والظلام بدأ يخيم على الطبيعة؛ حيث التقينا في طريقنا بمجموعة من الجنود كانوا يقومون في لباسهم المخفي بتداريب ليلية. ولما مررنا بهم أخذوا في الصياح والهتاف، الأمر الذي أزعج فرسي. ولم أرتح أنا بدوري لسلوك هؤلاء الجنود، فأردت معاتبتهم على ذلك، فكان رد فعلهم ضحكًا وسخرية. فتوجهت بفرسي إلى قائد الكتيبة طالبًا منه بعض الاستفسارات، وكانت حركتي عنيفة شيئًا ما، مما جعل فرسي يظن أنني أقصد بذلك مهاجمة المشاة، فانقض على بعض الجنود راكضًا، ونط فيما بينهم، ثم دار بسرعة البرق، وأما الجنود فقد سقط بعضهم على الأرض وتراجع بعضهم الآخر، وقد رموا بسلاحهم على الأرض من شدة الخوف والارتباك. وانطلق بي فرسي راكضًا حتى إذا قطعنا مسافة 50 مترًا تقريبًا، عدنا إلى مكان الواقعة لنراقب الجنود المذعورين، وهم يجمعون سلاحهم دون أن يتلفظ أحدهم بكلمة واحدة. ولحسن الحظ بجروح أثناء هذا الاصطدام الذي أثبت فيه الفرس الصحراوي شجاعته وحماسته".
اسطبلات حمدان
5- الذكاء والفطنة وحب التعلم
يتمتع الحصان العربي الأصيل بذاكرة حادة، خاصة بالنسبة إلى الأماكن التي يمر فيها، أو الأشخاص الذين يتعاملون معه. وهو في المعارك، يتذكر الجهة التي أتى منها، حتى ولو أصيب بجروح بالغة. وتجاوب الحصان العربي الأصيل مع تعليمات قائده قلما نجدها عند الجياد الأخرى التي تدرب وتروض، يقول و.ر. براون: "يعد الجواد العربي من أذكى الخيول على الإطلاق. وإن صفاته الرائعة مثل الذاكرة القوية وسعة الصدر والوداعة تجعله أجدر المخلوقات وأنسبها لخدمة الإنسان كما ترفعه قدرته على القيام بوظائف ذهنية أخرى، إلى مرتبة الصديق الذي يستحق كل اهتمام وعناية... فالعرب لا يستخدمون في قيادة خيلهم سوى سلسلة تربط حول الخطم وتثبت بالزمام. ولقيادة هذه الخيول والتحكم فيها، ما على الخيل إلا أن يمسك بالزمام، ويضغط على الجواد بفخذه ضغطًا خفيفًا مستعملاً في ذات الوقت الصوت المناسب. أما الجواد الذي لم يسبق له أن عرف خيالين آخرين غير صاحبه، فإنه يفهم سيده مثلما تفهم المرأة زوجها. إنه يشرع بالركض بمجرد ما يعطيه صاحبه الإشارة، ويخب حالما يتراجع ثقل راكبه إلى الوراء، أو عندما يشعر بضغط على قفاه، ويخطو خطوات بطيئة إذا ما استرخى صاحبه على السرج، ثم يقف في مكانه إذ يرفع سيده متكئًا على مسند السرج. ويكون لتحريك فخد الخيال إلى الأمام أو الخلف رد فعل سريع لدى جواده الذي ينقلب إلى هذا الاتجاه أو ذاك بحسب الأحوال. وإذا هم الخيال بالركوب أو النزول توقف جواده في مكانه، وذلك دون حاجة للإمساك بالزمام".
والحصان العربي الأصيل يعرف وقع قدمي صاحبه دون أن يراه، فيصهل له ويحمحم. وإذا فاجأه في الليل، وهو نائم لم يسمع صوته، هب مذعورًا يدافع عن نفسه، فإذا عرفه تغير حاله، وأخذ موقف الخجل والاستحياء بعد صولته وإظهار العداء، ويبدأ بالحمحمة وخفض الرأس كأنه يستغفره.
اسطبلات حمدان
6- الوفاء لصاحبها والتضحية في سبيله
إن الخيول العربية الأصيلة وفية لأصحابها، وخاصة إذا كانوا هم الذين يقومون على تربيتها وتدريبها بأنفسهم، فتقبل عليهم إذا نادوها، وقد قيل: "إن نداءها يغني عن أرسانها". والجواد العربي يحمي فارسه في البرية، فإذا ربط الفارس مقود جواده بيده ونام، قام الجواد بدور الحارس الأمين، فيظل يقظًا متنبهًا لكل حركة، حتى إذا رأى قادمًا أخذ يضر الأرض بحافره ليوقظ صاحبه. وعندما تكون خيول البدو طليقة، ويصدف ان يحدث استنفار ينذر بغارة مفاجئة، وسمعت نداء أصحابها، أو الإنذار بالغارة، أو طلقات الرصاص، فإنها ترفع رءوسها، وتشيل أذنابها، ويتجه كل واحد منها إلى بيت صاحبه، فتسرع النساء إلى السروج لتضعها عليها، ويسرع الرجال إلى أسلحتهم. وما هي إلا لحظات حتى يكون كل فارس على صهوة فرسه.
وقصص وفاء الخيل لأصحابها كثيرة، ومنها أن أسامة بن منقذ (1095- 1188م) وكان أحد أشراف بلاد الشام جاء في مذكراته أن حادثًا وقع لأبيه أثناء الصيد، فوقف جواده إلى جانبه وشرع في الصهيل دون توقف إلى أن جاءت النجدة.
ومن القصص أيضًا، التي تشهد للحصان العربي الأصيل بالشجاعة والذكاء والوفاء لصاحبه والتضحية في سبيله ما رواه أحدهم، قال: "لقد أصابتني رصاصة في كتفي، فسقطت من صهوة "غزال الأرض"، وأدى ذلك إلى جرح في قدمي. لكن "غزالاً" حملني راكضًا بسرعته المعهودة، وجعلني في مأمن من العدو. وبقيت لحظة ملقى على الأرض غير قادر على القيام بأدنى حركة. لم أشعر في بداية الأمر إلا بألم خفيف، وما إن مرت بعض اللحظات حتى بدأت أحس بألم شديد تحت عظم كتفي الأيمن.
كان "غزال" واقفًا إلى جانبي في صبر وأناة ينتظر قيامي، فأمرته هاتفًا: أوا، أوا، أوا، فارتجت أطرافه، ورد على هتافي بصهيله الحاد، وتملكه الخوف، ثم تشمم دم جرحي، وانحنى برأسه إلى الأرض، فشعرت بملاطفة مناخيره ونفسه الدافئ. تحسست جبهته بلطف، ولكنه تنهنه متراجعًا إلى الوراء. فأخذت أتلمسه بيدي حتى مسكت بزمامه، ثم أمرته بالنزول إلى جانبي، فنزل سامعًا مطيعًا. ولم أتمكن من امتطاء صهوته إلا بمشقة، فأمرته بالقيام ماسكًا بعرفه حتى لا أسقط من جديد. واستندت بيدي اليسرى على فخده الأيسر، ثم أمرته بالتحرك، فخطا خطوات بطيئة، وانطلق بعد ذلك بخطى حثيثة.
ولما قطعنا نصف المسافة في اتجاه الجانب الأعلى للهضبة، توقف غزال بغتة بجانب الطريق، وبدأ يشخر في ذعر وخوف. كنت مركزًا اهتمامي على الاحتفاظ بتوازني، ولم أكترث بكل ما كان يدور من حولي. وعندما اقتربنا من أعلى نقطة من المنحدر، غدونا من جديد على مرأى من العدو الذي أطلق علينا وابلاً من الرصاص، فكنت أرى بعض الرصاصات تثقب الأرض، والبعض الآخر يتطاير في الهواء محدثًا رنينًا رقيقًا.
أمرت "غزال" بالركض، ونخسته ليندفع إلى الأمام، وفجأة تعثر غزال، وأطلق صيحة موحية بالألم الشديد، فتبين لي أنه أصيب بجروح، ومضى متعثرًا، فنخسته مرة أخرى، وانطلق راكضًا بسرعة لم أتمكن منها معها من المحافظة على توازني، فسقطت من صهوته على الأرض إذ حاولت التخفيف من حدة السقوط بيدي. وفجأة رأيت رجالاً مقبلين علي، فوعدوني الأمان، وأخذوني إلى مكان آمن بالهضبة".
اسطبلات حمدان