أنساب الخيل عند العرب
هذه القصص التي تروى عن أنساب الخيول العربية استمر الاعتقاد بها حتى مطلع هذا القرن، حتى أظهر بعض الأوروبيين، وفي مقدمتهم المستشرق الألماني "كارل رضوان" اهتمامًا بالخيل العربية، فقسم سلالاتها إلى ثلاثة أنواع رئيسية هي: الكحيلان، الصقلاوي، المعنكي. يدخل ضمنها 20 فصيلة رئيسية، تتفرع بدورها إلى 240 فصيلة فرعية. أما فصائل الحصان العربي من جهة الأم فقد أرجعها الباحثون إلى 23 فصيلة على النحو التالي:
دهمان شوان DS، هدبان انزاحي HE، حمدان كحيلان HK، حمداني سمري HS، كحيلان K، كحيلان عجوز KA، كحيلان عجوز بن روضان KAIR، كحيلان عجوز بن سودان KAIS، كحيلان هيفي KH، كحيلان جلابي KJ، كحيلان كروشان HK، كحيلان روضان KR، معنقى M، معنقي هدروج MH، معنقي سبيلي MS، عبيان O، العبية أم جريس OG، صقلاوي S، صقلاوي جدراني SG، صقلاوي جدراني بن سودان SGIS،، صقلاوي جدراني بن زبيني SGIZ، صقلاوي شيفي SS، شويمان صباح SHSX. والمتأمل في هذه الأصول الثلاثة والعشرين، يرى أنها تعود في معظمها إلى أنواع ثلاثة؛ هي: الكحيلان، والمعنّكي، والصّقلاوي، قد تُبْدل الكاف قافًا في المعنكي فيصبح: المعنقي، ولا تعتبر الخيل نقية إلا إذا كانت منحدرة من واحد من هذه الأصول:
العرب دائما ما كانوا يحافظون على وجود الخيل المولود بالقرب من الخيمة - اللوحة من مجموعة الأمير محمد علي
أ- الكحيلان
يُعتبر أفضل الخيول العربية المُخَصّصة للركوب. وجماله ذَكَري الطابع، فحتى إناثه لا تخلو من مسحة ذكرية جميلة. ويتميز بكبر حجمه، وضخامة عضلاته، ويغلب عليه اللون البُنّي. وتندرج تحت فصائله فروع عديدة، منها: الحمداني والهدبان والشِّويمان والرَوْضان والوَدْنان والعجوز والجّلابي والهيفي والكروشان.
ب- الصقلاوي
يعد أفضل الخيول العربية لأغراض الاحتفالات، والمهرجانات، والاستعراضات. ويرجع ذلك إلى جماله الباهر الذي يتخذ الطابع الأنثوي حتى عند الفحول. ويمتاز عن الكحيلان برأسه الجميل، وجبهته العريضة، مع تَقَعُّر واضح في جانبيّ الأنف، وهو أقل حجمًا من الكحيلان. ومن أهم فصائله لجهة أمه: الصقلاوي والعبيان والجدراني والدّهمان والرِّيشان والطويسان والموّاج والميلوا والشيفي والجدراني بن سودان.
ج- المَعَنّكي أو المعنقي
يُعْنى بها الخيول العربية المعنكية الأصل بدون أي اختلاط مع سلالات أخرى: كالكحيلان والصقلاوي. وهو جواد ممتاز، أكثر ما يُسْتَخدم لأغراض العدو والسباق. ويمتاز بطول عنقه ورأسه. فاره الجسم، ضخم الحجم، إلاّ أنه خشن المنخرين، وعيونه صغيرة إذا قورنت بعيون الخيول العربية الأخرى. ويختلف عنها أيضًا بكثرة الزوايا في وجهه. وتبقى الخيول المعنكية أصيلة ما دامت محافظة على صفاء سلالتها دون اختلاط مع السلالات الأخرى؛ لأن الاختلاط في أي مرحلة من مراحل تطورها يُفْسد نسلها ويزيل أصالتها. وهو من السلالات العربية التي دخلت إلى أوروبا. ومن أشهرها الحصان العربي "دارلي" وهو الجد الأكبر للسلالة المعروفة "بالثروبيرد"، الذي كان معنكيًا حَدْريًّا. ومن أهم فروعه: المَعَنّكي والجَلْفان والسعدان، والسمحان، وأبو عرقوب، والمخلّدي، والزّبدان، والسَّبيلي (نسبة إلى ابن سبيل) والحَدْري (نسبة إلى ابن حدر)، والكوبيشان.
وينقسم المعنكي إلى قسمين رئيسين:
- معنكي هدري: ويتصف بضخامة صدره وأكتافه القوية والتناسق الكامل لأضلاع صدره.
- معنكي سبيلي: ذو قوائم عالية وأكتاف مستقيمة وهو أبطأ سرعة من المعنكي الهدري.
وفي الحقيقة تعرضت سلالة المعنكي لنقد وجدل كبيرين من قبل العديد من خبراء الخيل، فمنهم من يعتبرها كاملة الأصالة والنبالة دون أي تمييز أو فروق بالمقارنة مع السلالات الأخرى. ومنهم من يرى غير ذلك؛ ومن بينهم المستشرق كارل رضوان، حيث يدعي أنه في عام 1630 لقح "ابن هدري" فرسه التي سباها من ابن سبيل من فحل تركماني الأصل، واستمر النسل بعد ذلك بالتكاثر عند قبائل السلقا، وبالتالي لم يعد هذا الرسن أصيلاً لاختلاطه بدم غريب. ولهذا السبب يقال إن الخديوي عباس باشا رفض أن يخلط خيوله بدم السلالة المعنقية أو المعنكية. والأمر نفسه ينطبق بالنسبة لـعلي باشا الشريف في مصر.
وبالرغم من ذلك الجدال، فإن التاريخ يشير إلى أن أعظم الخيل العربية التي وصلت إلى أوروبا وحسنت السلالات المحلية هناك هي سلالة المعنكي، وأكثر ما ينطبق هذا الكلام على إنجلترا وفرنسا.
خبل عربية في روسيا ولدت عام 1883 وأحضرها الكونت ستروغانوف إلى روسيا عام 1888
بيان أجزاء الهيكل العظمى و بعض أعضاء الحصان
ويقول الأمير الروسي س.أ.ستروغانوف خلال زيارته لجزيرة العرب في وصفه للخيول العربية: إنّ العرب قد استعملوا التسمية كحيلان؛ لوصف كل حصان عربي لونه قاتم ذو خطوط سوداء مدهشة بالقرب من المناخر والعيون خلافًا للسلالات الأخرى. ولكن بقدر تكاثر الخيول أصبح من الضروري تحديد بعض الفروع بكنى خاصة بها، وأطلقت الكنى إما باسم صاحب الفرس المشهور، مثل: كحيلان نواق (نواق: لقب عائلة بدوية)، أو بسمات مميزة، مثلاً كحيلان رأس الفدوى، ويعني هذا كحيلان ذا الرأس الجميل. وعلى هذا النحو حصلت التسمية الأصلية كحيلان على إضافة لازمة لها لتحديد الفروع المنبثقة منها. ومع مرور الزمن انقسمت الفروع الأولى إلى فروع لاحقة حصلت بدورها على أسماء منفصلة؛ ولأن تسمية الفروع الأصلية أصبحت معروفة للجميع في ذلك الوقت، فقد أخذوا يطلقون أسماء جيل كحيلان وتحديد العديد من الفروع بالاسمين الأخيرين فقط فعلى سبيل المثال، كان اسم فرع صقلاوي سابقًا كحيلان صقلاوي. وعندما تكاثرت وتناسلت خيول هذا الفرع الشهير وظهرت فروع جديدة كحيلان صقلاوي جدران، كحيلان صقلاوي عبيران وغيرها، واستغنى عن التذكير بانتسابها إلى خيول كحيلان، وأخذوا يقولون صقلاوي جدران، صقلاوي عبيران، وغيرها من الأسماء.
ويهتم العرب بالأنثى أكثر من الذكر بخلاف الأوروبيين، وينسبون المهر عادة إلى أمه، فمثلاً: المهر الذي يولد من حصان صقلاوي مع فرس كحيلان عجوز يسمى كحيلان أيضًا ويعد في الصف الأول، وليس معنى هذا أنهم كانوا لا يهتمون بالذكر، بل بالعكس فقد كانوا يهتمون أن يكون الفحل نجيبًا صحيح النسب خاليًا من العيوب، لاعتقادهم بأن الفلو (الحصان الصغير) يأتي مشابهًا لأبيه في جميع حالاته، وإن لم يجد الرجل منهم لفرسه فحلاً نجيبًا من نسبها أو ما يقاربه يتركها بلا تقفيز إلى حين وجوده، ويطلبه وإن بعدت المسافات، ويبالغ في المحافظة على فرسه من أن يثب عليها حصان مجهول النسب أو مشوه الخلقة.
كذلك قال ابن البدر البيطار في أنساب الخيل في كتابه "كامل الصناعتين":
"إن أنساب الخيل عشرة: الأول: الفرس الحجازي، وهو أشرفها. الثاني: الفرس النجدي، وهو أيمنها. الثالث: الفرس اليمني، وهو أصبرها. الرابع: الفرس الشامي وهو ألونها. الخامس: الفرس الجزيري وهو أحسنها. السادس: الفرس البرقي (ليبيا) وهو أخشنها. السابع: الفرس المصري وهو أفرهها. الثامن: الفرس الخفاجي وهو أصلها (بين الكويت والعـراق) ، التاسع: الفرس المغربي وهو أنسلها العاشر: الفرس الإفرنجي وهو أفشلها".
وفيما يلي وصف تفصيلي لبعض هذه الأنساب:
- الخيل الحِجَازي
حسن الأحداق وسوادها (والحدقة هي السواد المستدير في وسط العين والمعنى المقصود حسن منظر وبهاء هذا الجزء من العين) ورقه البوز والجحافل(دقه مقدمه الفم وما حوله والجحافل وهي الشفتان) طول الاذنين وصلابة الحوافر، متينة الأرساغ (الرِّسغ: الموضع المُسْتدَق بين الحافر والساق)، وذات أحداق حسناء سوداء، وسميت بالحجازي نسبة إلى بلاد الحجاز.
- الخيل النجدية
هي طويلة الأعناق، صغيرة الرأس، جميلة القوام، قليلة لحم الوجه والخدين، دقيقة الآذان، عريضة الأكفال، رحبة البطون، غليظة الأفخاذ، وهي قوية جدًّا وسريعة تلوح على وجهها علامات الجِّد.
- الخيل اليَمَنِيَّة
غليظة القوائم (سمك الأرجل)، تميل أعناقها إلى القصر، وهي مدورة الأبدان (بمعنى أن البدن له إستدارة مناسبة)، خشنة، خفيفة الأجناب (رقته وعدم ثقله)، ذات حدة في أكفالها (الطرف الرقيق الحاد لمؤخرة الفرس).
- الخيل الشَّامية
وهي جميلة الألوان، واسعة العيون، كبيرة الأحداق، لينة الحوافر، جباهها صلعاء، سعة الأشداق(اتساع جانبي الفم مما تحت الخد).
- الفرس الجزيري
وهو أحسنها، وعلامته جودة مؤخرته(حسن نهاية بدنه) وكثره، وعرض أوطفته(أتساع أوجه الركبة) يعنى مقادم ركبه، وعرض كفله، وجودة حدقته، وسميت بالجزيري نسبة إلى الجزيرة العربية.
- الخيل البرقي
وسمي بالبرقي نسبة إلى برقة في ليبيا، وهو أخشنها وعلامته خشونه بدنه، وتلحيم صدره(كثر لحم صدره)، وكبر رأسه، وغلظ قوائمه، وسعة حوافره(كبر حجم أقدام الفرس).
- الخيل المِصْرِية
وهو أفرهها(أنشطها وأخفها وأمهرها) دقيقة القوائم، طويلة الأعناق والأرساغ، جيدة الحوافر، قليلة الشعر، حديدة الآذان، ويحتفظ عرب بني رشيد ومعزّى في صعيد مصر بسلالات من الخمسة، وكذلك عرب الطحاوية بمحافظة الشرقية.
- الخيل الخفاجي
وهو أأصلها، وعلامته ضلع جبهته (عظم من عظام ما بين الحاجبين إلى الناصية وهو منحن وفيه عرض)، وقصر وجهه، وقلة لحم خديه، وتدوير كفله، ونصب عراقيبه(العرقوب هو ما بين الوظيف وبين السمانة في الأرجل الخلفية، والمعنى أن العراقيب في وضع دعامي حسب طبيعة مكانها لتعطي الوقفة الصحيحة للفرس)، ومسح ركبتيه، ورقة جحافله، وسمي بالخفاجي نسبة إلى اسم قبيلة.
- الخيل المغربية
وهو أنسلها (أكثرها ولادة) عظيمة الأعناق، عالية الوجوه، ضيقة المنخرين، غليظة القوائم، مدورة الأوظفة(أي أركبه تأخذ شكل الاستدارة)، طويلة السبيب.
- الخيل الأفرنجي
والمقصود بالأفرنجي (الغير عربي من أب وأم غير عربيين) وهو أفشلها أي أجبنها(فرس أجنبي أي ليس له أصول عربية أو يميل إلى الجنب عند اقتياده وربما يكون المقصود أنه أبعدها عن الصفات الأصيلة للفرس) فلا تقدم على الهول(الفزع) ومنها ما يتفطر(يشق اللحم ويطلع الدم) ويتفجر دما وعلامتها غلظ أبدانها وأعناقها وصدورها صغيرة الكفل(صغر حجم مؤخرة الحيل).
صفحة من مخطوط كامل الصناعتين لأبن البيطار - مكتبة برلين
ومن القصص الطريفة التي تروى في نسب الجياد وسرعة جريها وشدة اهتمام العرب بالخيل تلك القصة:
فقد كانت لفارس من فرسان البدو فرس مشهورة في القبائل، وكان صاحبها شديد الكلف بها، يعزها معزة عظيمة , ويخصها بعناية خاصة بالمقارنة بجياده الأخرى، ويحرص عليها من السرقة حرصاً دقيقاً فيجعل القيد في رجليها ويديها ليلاً ونهاراً.
وبهذه الإجراءات الصارمة كان صاحب الفرس يظن أن فرسه في مأمن من السرقة وهو لا يعلم أن فارسا من قبيلة أخرى كان قد عقد العزم على الحصول عليها بكل إصرار، وأنه كان قد وجه لصًّا محترفًا لسرقتها، وأن هذا اللص كان قد عمل مستخدمًا لدى أحد أفراد قبيلة صاحب الفرس ليرعى إبله، ومن خلال عمله هذا كان يترصد الفرص لسرقة الفرس، وبعد بضعة أشهر واتته الفرصة.
ففي ذات يوم تخلف صاحب الفرس عن منزله بعض الوقت فشفقت ابنته على الفرس وفكت قيدها بغية إعطائها الفرصة للتجول بحرية , وهي لا تعلم شيئًا من أمر اللص الذي ما أن رأى الفرس طليقة من قيودها حتى أسرع وقفز على ظهرها وركلها بساقيه فعدت تنهب الأرض نهبًا. فضج الحي وركب الفرسان يطلبونه وكان ابن صاحب الفرس معهم وهو يمتطي حصانًا غير معلوم النسب يدعى بليق، كما حضر في الوقت المناسب صاحب الفرس المسروقة وتحته فرس كريمة من خيله فاشترك في مطاردة السارق.
ولما تزاحمت الخيل في أثر السارق وطال عليها المسير وتعبت ابتدأ الفرسان بالتقهقر ولم يبق سوى صاحب الفرس المسروقة وابنه اللذان كانا يجدان وراء اللص حتى اقتربا منه عند العصر، وكان الابن أقرب إليه من والده وكان أن يدرك السارق ويطعنه في ظهره فلما رأى والده ذلك ففضل أن ينجو السارق بالفرس الأصيلة من أن يسترجعها الحصان بليق ويقول العرب أن بليقًا غير الأصيل لحق بفرسه الأصيلة وردها.
وكان اللص قد اقترب من أرض موحلة فناداه صاحب الفرس بأعلى صوته قائلاً: دون الغبط. أي: سر في الأرض الموحلة. وإلا فضحت الكحيلة. فعمل اللص بمشورة صاحب الفرس ووجهها إلى الأرض الموحلة. فذهبت لا تعبأ بصعوبة وأراد الابن اللحاق به غير أن الفرس غير النجيبة التي يركبها خانته في تلك الأرض الموحلة ورجع الفتى إلى والده يلومه على فعله فأجابه والده: تُسبى ولا يردها بليق. فصار مثلاً.
كذلك قصة طلاق زوجة امرئ القيس بسبب قصيدة عن الخيول، كانت سبب الخيل سببًا لطلاق امرؤ القيس شاعر الجاهلية الشهير لزوجته أم جندب رغم كل ما قال فيها من شعر.
وتحكي قصص الجاهلية طلاق أم جندب على النحو التالي
نزل الشاعر المعروف علقمة بن عبدة ضيفًا على امرئ القيس في داره فتذاكرا الشعر والخيل, وادّعى كل منهما على صاحبه. فقال علقمة لامرئ القيس, قل شعرًا تمدح فيه فرسك وأقول أنا مثله ونترك الحكم في المفاصلة بينهما إلى أم جندب زوجك فوافق امرؤ القيس وقال قصيدته البائية المشهورة
فَلِلساقِ أُلهوبٌ وَلِلسَوطِ دُرَّةٌ |
|
وَلِلزَجرِ مِنهُ وَقعُ أَهوَجَ مُتعَبِ |
ومعنى البيت أن للرفس بالساق والزجر بالكلام وللسوط أثر شديد على فرسه.
ثم قال علقمة قصيدته البائية ووصف فرسه فيها فقال
فأدركهنَّ ثانيًا من عنانه |
|
يمرُّ كمرِّ الرَّائح المتحلِّبِ |
فحكمت أم جندب لعلقمة إذ قالت لامرئ القيس (زوجها) أن فرس علقمة أجود من فرسك، لأنك رفست فرسك بساقيك، واستعملت سوطك وزجرته، بينما لم يفعل علقمة شيئًا من هذا بل كان فرسه يدرك الصيد ثانيًا من عنانه أي: بطلبه، ويجري كالمطر المتدفق المنهمر. فغضب امرؤ القيس وطلقها فتزوجها علقمة، ولهذا سمِّي بعلقمة الفحل.
وهكذا تسببت الخيل في طلاق زوجة الشاعر الكبير وهكذا كانت للخيل مكانة عند العرب.
مخطوطات ذات صلة