الأمير محمد علي توفيق
الأمير محمد علي توفيق
أحد أفراد الأسرة المالكة التي أسسها محمد علي الكبير، وهو ابن عم الملك فاروق آخر ملوك الأسرة العلوية في مصر، فهو الأمير محمد علي بن الخديوي توفيق بن الخديوي إسماعيل بن إبراهيم باشا بن محمد علي الكبير، وشقيق الخديوي عباس حلمي الثاني، ولد عام 1875، كان وصيًّا على العرش بعد وفاة عمه الملك فؤاد الأول عام 1936، ولما كان ابنه الملك فاروق لم يبلغ السن القانونية لتولي العرش بعد وفاة والده، فقد أصبح الأمير محمد علي هو الوصي على العرش، حتى تولى ابن عمه الملك فاروق الأول حكم مصر في نفس العام، ولجأت الأسرة المالكة إلى استصدار فتوى من الأزهر يتم بمقتضاها حساب عمر الملك فاروق بالسنين الهجرية، حيث إنها أقصر من السنين الميلادية حتى يسارعوا في وضعه على العرش، وتفويت فرص الاستيلاء على العرش من الأمير محمد علي، ونصب الأمير محمد علي وليٍّا للعهد حتى أنجب الملك فاروق ابنه الأمير أحمد فؤاد عام 1951، أي إنه استمر في ولاية العهد ما يقارب الـ 14 عامًا.
وكان الملك فاروق والملكة الأم نازلي، يحلمان بالمولود الذكر حتى يقطعا الطريق على الطامعين في العرش، وفي مقدمتهم الأمير محمد علي توفيق، الذي يؤجج من آماله في هذا. إنه كان أكبر أبناء الأسرة العلوية سنًّا، هذا فضلاً عن ثرائه الواسع، وعلاقته الطيبة مع السفارة البريطانية، كما أنه كان من أعضاء مجلس الوصاية خلال الفترة التي أعقبت وفاة الملك فؤاد وتولي فاروق، ثم ما حدث بعد تولي الملك الجديد صلاحياته الدستورية من إعلانه وليا للعهد، وفقًا لنفس الأمر.
نال الأمير ثقافات عربية وأجنبية رفيعة المستوى، وكان محبًّا للفنون بكافة صورها خاصة الإسلامية منها، ومارس بنفسه بعض الفنون. وكان أحد أشهر هواة تربية الخيول العربية ذات الأنساب العريقة، وله مؤلفات في ذلك المجال منها:
- نبذة عن الخيول العربية (جزءان)، تأليف حضرة صاحب السمو الملكي الأمير محمد علي.
- نبذة عن جياد الخيل في مصر، تأليف حضرة صاحب السمو الملكي الأمير محمد علي.
الصفحة الاولى من النسخة الأصلية للكتاب
اشتهر بجمع التحف والآثار والمقتنيات الثمينة، وكان له في هذا المجال عيون متخصصة، مهمتهم البحث عن النادر من التحف وجلبها للأمير ليعرضها بقصره.
كان الأمير محبًّا للسفر، فقد قام بعدة رحلات حول العالم طاويًا القارات أكثر من مرة، ودَوّن هذه الرحلات في كتب كثيرة تعد تسجيلاً فريدًا للأوضاع التي كانت عليها بقاع كثيرة من العالم في أوائل القرن العشرين، وقد توفي خارج مصر عام 1954.
وإليكم ترجمة هذه المقالة المنشورة بقلم الأمير محمد علي في أحد أشهر المجلات الفرنسية، وهي مجلة الرياضة العالمية 1933 (LE sport universal lllustre)، وموضوع المقالة عن الخيل العربية.
" قرأت في الصحف والمجلات مقالات كثيرة عن الخيل العربية. وكذلك اطلعت على مؤلفات قديمة وحديثة تبحث في هذا الموضوع ويؤسفني القول أني لقيت فيما قرأت أخطاء لا تحصى.
إن معظم أصحاب هذه المقالات والدراسات أشخاص عرّجوا على الشرق في مهمات غايتها شراء الخيل، غير أنهم لم يمكثوا في ربوعه أكثر من ثلاثة أشهر أو أربعة، وظنوا أن هذه المدة الوجيزة التي قضوها فيها كفيلة باطلاعهم على تاريخ الجواد العربي اطلاعًا كافيًا وكاملاً وشاملاً. بل إنهم بدوا مغالين في القول، كأنهم يسعون إلى إيهام قرائهم بسعة معرفتهم ودقة دراساتهم وبحوثهم وبصواب آرائهم.
غلاف عدد من مجلة الرياضة العالمية
ولا يغيب عن البال أن من عادة العلماء عدم نشرهم نتاج أبحاثهم، في علم التاريخ أو أي علم سواه، إلا بعد التمحيص والتقميش الجلودين، وبعد النفاد من جميع الوثائق المتعلقة بموضوعهم، والتي تسنى لهم أن حصلوا عليها. وأما ما كتبه الأجانب الذين زاروا الشرق، فقائم على القيل والعنعنة. ولا شك بأن ليس بين هؤلاء المؤلفين باحث واحد قرأ الوثائق القديمة التي تفسح له في التثبت من صواب العناصر والمعلومات التي جمعها إبان تفتيشه.
ذلك أن أحدًا لا يستطيع فهم موضوع الجواد العربي فهمًا كاملاًً مالم يعش زمانًا مع سكان البلاد، ويدرس تاريخهم (وتقاليدهم)، ويطلع على المؤلفات القديمة الموضوعة بلغتهم.
وتبين لي أن كل مؤلف يذهب إلى التفضيل والقول بالأفضليات حسب هواه، فيختار، مثلاً نوعًا يروقه وينصبه نموذجًا للجواد العربي. هذا، بصرف النظر عن الأخطاء الفادحة التي يقع فيها وهو يذكر أسماء القبائل، أو أمكنة الرباطات والمرابض التي مر بها، ليشتري أمهاره.
فالروس الذين كانوا بالأمس يشترون خيلهم من الموصل وبغداد حصروا المزايا والصفات الحميدة في حصان شمر. ومثلهم الموظف والضباط الأتراك الذين يحبون الخيل الضخمة فقد ذهبوا مذهبهم، أما الفرنسيون فلا يحدثونك إلا عن الجواد السوري؛ وذلك لهيامهم المزمن بسوريا.
وتبين لي أيضًا أن الصداقة التي تشد الأجانب إلى هذا وذاك من شيوخ القبائل، تشكل عنصرًا هامًّا، بل سببًا كافيًا، في الثناء على أصالة جياد هذا الصديق.
وأستطيع التأكيد أن مؤلفات السير ويلفريد بلنت والسيدة زوجته تنم وحدها في كل ما قرأته عن معرفة كافية بالجواد العربي. مع العلم بأنها هي أيضًا لا تخلو من مسحة تميّز إزاء خيل بعض الزعماء النجديين، الذين يكنُّ لهم المؤلفان صداقة وإعجابًا.
هناك من يأبى أن يرى خيلاً أصيلة سوى في قبيلة عنــزة. فكيف يكون ذلك؟ هل صارت الجزيرة العربية أرضًا تحدها ستائر صلبة وحصينة تحول دون قيام أية علاقة بين القبائل التي ترتع في أرجائها؟
وهذا في حين أنه لا يخفى على أحد أن الشقة بين دمشق وبغداد يومان بالسيارة، وأن المنطقة معروفة لا حدود طبيعية تفصل بينها، وأن جميع القبائل (عنزة وسبيع، ورولة، وبني صخر وفدعان) في تلاقٍ مستمر وأحيانًا في تداخل، بل إنها في حروب دائمة. والجياد الأصيلة تتنقل من قبيلة إلى أخرى كما تتنقل الجمال والماعز؛ لأن ليس هناك من غنائم سواها. فكيف يتسنى -والحالة لهذه لقبيلة أو لأخرى- أن تنفرد وتحتكر الجواد العربي الأصيل؟
إن الجزيرة العربية أرض رباط، والقبائل جميعها أصحابها، والجياد الأصيلة ترتع في كل صوب، ولكن هناك -كما في كل مكان وكل رباط- أناسًا أكثر اهتمامًا بجيادهم من جيرانهم. فمعقول، والحالة هذه، أن تجد في قبيلةٍ ما سلالة تبدو محاسنها أكثر بيانًا وأكثر خصبًا منها في قبيلة أخرى. أما أن نزعم أن الجواد الأصيل غير موجود عند الجميع فزعم صعب التأكيد.
جائز جدًّا أن نجد خيولاً أصيلة من مختلف الأنساب في شتى القبائل. ثم لا تنسَ أن ذراري بعض الأنسال العربية الأصيلة قد ذوت وانطفأت عند بعض القبائل، فلا يجوز، إذن حمل بعض خيول القبائل إلى الذروة العليا، ورمي الأخرى إلى الدرك الأسفل. إن القولين كليهما خطأ. فقد يصدف أن لا تجد مائة جواد أصيل في قبيلة عندها آلاف الجياد في حين ترى عشرين أصيلاً جميلاً في قبيلة لا يزيد عدد خيلها كلها على مائة جواد.
وإليكم خطأ آخر وقعت عليه: يقول السادة المؤلفون: إن خيول مدن كحلب ودمشق والموصل، لن توازي تلك التي يجدونها في الصحراء، فاسمحوا لي يا سادة، بالرد على زعمكم فأقول لكم: إن كلامكم هذا إن هو إلا تخيل فحسب. وأن القول بأن الجياد الأصيلة لا تباع إلا تحت خيام البدو هو خطأ عظيم. وإن من يكتب مثل هذه الهرطقات لا يعرف حياة العرب ويجهل وضع المدن المحيطة بالصحراء.
وبعد، فمن أين تنبع الخيل التي نجدها في المدن؟ إن الأعرابي يتخلى عادةً عن مهره بعد فطامه؛ لأن بقاءه عنده يكلفه مالا طاقة له به، وهو فقير يسعى إلى التكسب، فيبيع المهر عندما يتجاوز ستة أشهر ويبقي عنده المهرات الأنثويات؛ لأنها تؤمن له النسل، أي إنها لا تدر عليه الريع. أضف إلى ذلك أن الأعرابي بمحافظته على الأنثى يحافظ على بقاء النسل الأصيل في الجزيرة.
إذن، فالجياد التي يشتريها الأثرياء في المدن المجاورة للصحراء هي الأمهار الفتية. ومعلوم أن الجواد العربي لا يبلغ أشده قبل السنة الخامسة من عمره، فصعب جدًّا أن نحاول التنبؤ بما سيكون من أمره وهو في سنته الرابعة. ناهيك أن البدوي بتخليه عن أكثر أمهاره يفتقر غالبًا إلى الفحول الضرورية لرباطه، في حين لا تفتقر المدن إلى الجياد الأصيلة، وهنا يكمن خطأ أولئك التجار الذين يقولون بعدم وجود الجياد الأصيلة في المدن.
وقد يزعم البعض أن التقدم والغلاء المتزايد في أسعار العيش جعلا من سكان المدن أصحاب سيارات أكثر منهم مقتني خيل. وهذا معقول وجائز، إلا أن الواقع الأكيد يبين أن الخيل الأصيلة موجودة في المدن، كَثُر عددها أم قل.
وأنتقل الآن إلى موضوع شيوخ القبائل، فإن أكبرهم يقتني أكرم الجياد، هذا فيما إذا كان مولعًا بالرباط. ويروي لنا التاريخ أن أكبر عدد من الخيول الأصيلة كان تارة في نجد وطورًا في اليمن، وقد مر اليمن بعصرٍ ذهبي إذ كان ذا سلطان وقوة وبأس، فتزعم بلدان الجزيرة جميعها. لذا نرى المخطوطات القديمة تُشيد بالجياد اليمنية إشادة قوية. أما اليوم فصعب أن نجد في اليمن خيلاً أصيلة.
وهذا كله يدل على أن الجواد الأصيل يتنقل بين منطقة وأخرى، متأثرًا ببأس شيوخ القبائل. ويدل أيضًا على أن ما كان صحيحًا بالأمس قد يكون اليوم خاطئًا.
إن كل ما في الكون متغير. فالأوروبيون يبحثون اليوم عن الجياد الطويلة القامة والمتينة البنية، في حين يطلب شرقيو المدن جيادًا سريعة الركض للسباق والرهان. فكيف نهج بعض زعماء الصحراء في تلبية هذه المطالب؟ هل سعوا إلى تخالط جيادهم والخيل الإنجليزية والأسترالية؟ إني لا أسعى هنا إلى تعميم هذا الزعم، غير أني واثق بأن اثنين في الأقل من شيوخ البدو -وإني أعرفهما خير معرفة- اشتريا في منطقة بغداد بعد الحرب عددًا من الخيل الإنجليزية والأسترالية.
وكذلك أقول عن بعض أصحاب خيل السباق المصريين الذين يأتون بجياد نصف أصيلة ويرسلونها إلى سوريا لبصمها بخاتم قبيلةٍ ما ثم يسترجعونها إلى مصر حيث يبيعونها على أنها أصيلة. ويدعي أن دخول الجمارك والخروج منها يساهمان في التأكيد أن هذه الخيل -الآتية من الجزيرة- هي ذات أصالة.
وتكون هذه الجياد أكبر من جيادنا وأسرع، غير أنه سليلة تزاوج خدّاع. ومن تراه يجهل أن في سوريا فحولاً إنجليزية نصف أصيلة تقتنى لهذا الغرض؟
وبعض الناس عندها أطوار غريبة في اختيار الجياد: فمنهم من ينظر إلى وجه واحد للجواد، وغالبًا ما يكون بعيدًا كل البعد عن المقاييس والأسس المرعية. وقد أتيح لي أن أتعرف إلى الكولونيل (.......) مفتش المرابض في بلاده، قصد الشرق؛ لابتياع جياد عربية وسمعته يقول الكلام المستغرب الآتي: "لا يعجبني فرس وأشتريه إلا إذا شكل ذيله زاوية بالنسبة إلى عكوته...".
وهذا لعمري رأي خاص لا يبني قاعدة بالنسبة إلى المقياس المتبع. وكثيرون يرون عكس ذلك، ويؤثرون أن تكون العكوة على شكل معقوف. وإني في كلا الأمرين لا أرى أي تأثير لذلك بالنسبة إلى أصالة الخيل وعراقتها. فنحن الشرقيين ننظر إلى الأصالة نظرة مختلفة كل الاختلاف عن الأوروبيين.
فهي عندنا ترد إلى مجموعة صفات مختلفة عن سائر الحيوانات: أولها: النظرة الحادًة والصلعة (أو الطلعة) المُشِعَّة؛ ثم جمال القامة، فرقة الجلد والمفاصل، وأخيرًا النسب. أما الأوروبيون فيفتشون قبل أي شيء عن الحصان القوي، الشديد العضلات والبنية.
اسمحوا لي إذن، بأن أعطيكم نصيحة يا أوروبيون، إن كنتم بحاجة لمثل هذه الخيول، فلمَ لا تذهبون وتفتشون عنها في الأرجنتين؟ إنكم واجدون هنالك خيولاً ضخمة، صلبة الأعضاء والعضلات، قوية المتن.
ثم ما هي غايتكم في قصدكم الشرق؟
أتطلبون الدم الأصيل؟ أجل، إنه الدم العريق الذي ستجدونه هنا، لا القامة ولا القوة وضخامة العظم. وفي تفتيشكم عندنا عن صفات ليست في خيولنا تضلون السبيل وتشجعون المروِّضين عندنا على الغش. اشتروا، إذن، فحولنا الأصيلة واشتروا أفراسكم الضخمة من أمكنة أخرى، ثم قوموا بعمليات التزاوج الخليط في دياركم، بعيدين عنا، فتساهموا في الحفاظ على أصالة أنسالنا، وفي هذا خير لنا ولكم"