25-08-2013

صورة الأميرعبد القادر ابن محيي الدين الحسني الجزائري والد المؤلف وليس المؤلف
اعداد المادة: عمرو شلبي
نص كتاب: نخبة عقد الأجياد في الصافنات الجياد لمؤلفه محمد ابن الأمير عبد القادر ابن محيي الدين الحسني الجزائري المتوفى 1331هـــــ
محمد (باشا) ابن الأمير عبد القادر ابن محيي الدين الحسني الجزائري: مؤرخ، من فضلاء الأعيان، ولد على الأرجح في ولاية وهران بالجزائر ونشأ وعاش في دمشق، وقد سكنها أبوه سنة 1271 هـ، وعكف على سيرة أبيه، فجمع ما تفرق منها، وسماها (تحفة الزائر في مآثر الأمير عبد القادر - ط) في جزءين، أحدهما سيرته السيفية، في حروبه مع الفرنسيس، والثاني سيرته العلمية. وله (عقد الأجياد في الصافنات الجياد - ط) ومختصره (نخبة عقد الأجياد - ط) كلاهما في الخيل ومحاسنها وما قيل فيها، و (مجموع ثلاث رسائل - ط) إحداها (ذكرى ذوي الفضل في مطابقة أركان الإسلام للعقل) والثانية (كشف النقاب عن أسرار الاحتجاب) والثالثة (الفاروق والترياق في تعدد الزوجات والطلاق) وكان يحمل رتبة فريق في الجيش العثماني.
المقدمة في نشأة الخيل وأول من ركبها من العرب
روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: أول من خلق الله من الخيل خلق فرساً كميتاً، وقال عز وجل: خلقتك عربياً وفضلتك، على سائر ما خلقت من البهائم بسعة الرزق والغنائم، تقاد على ظهرك والخير معقود بناصيتك، ثم أرسله فصهل: فقال جل وعلا: يا كميت! بصيلك أرهب المشركين، وأملأ مسامعهم، وأزلزل أقدامهم، ثم وسمة بغرة وتحجيل.
والسبب في خلق أول فرس كميتاً محاكاة لآدم عليه السلام، لأنه سمي آدم من الأدمة، وهي السمرة، والكميتة في الخيل تحاكي السمرة في الآدميين، فكان أول مخلوق من البشر أسمر وكذا أول فرس؛ وهذا دليل على شرفه ويمنه. فلما خلق الله آدم قال: "يا آدم! اختر أي الدابتين، يعني الفرس أو البراق فقال: يا جبريل اخترت أحسنهما وجهاً، وهو الفرس فقال تعالى: يا آدم! اخترت عزك وعز ولدك باقياً ما بقوا وخالداً ما خلدوا".
وسئل صفي الدين السبكي أكان خلقها قبل آدم أم بعده؟ فقال: "قبله بدليل قوله تعالى: (خلق لكم ما في الأرض جميعاً) فالأرض وما فيها خلقها الله تعالى إكراماً لآدم وأولاده، والعظيم يهيأ له ما يحتاج إليه قبل قدومه"، وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لما سمعت الملائكة صفة الفرس وعاينوا خلقها، قالت: رب نحن ملائكتك نسبحك، ونحمدك، فماذا لنا؟ فخلق لها خيلاً بلقاً، أعناقها كأعناق البخت يمد بها من يشاء من أنبيائه ورسله".
وأول من ركبها بعد آدم من العرب من أولاد عدنان إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام ومن بني قحطان يعرب.
روى الزبير بن بكار من حديث داود بن الحسين عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "كانت الخيل وحوشاً لا تركب، فأول من ركبها إسماعيل فلذلك سميت العراب".
وروى الواقدي عن عبد الله بن يزيد الهلالي، عن مسلم، عن جندب، أن: "أول من ركب الخيل، إسماعيل بن إبراهيم عليه السلام وإنما كانت وحشاً لا تطاق حتى سخرت له".
وروى أحمد بن سليمان النجار، بسنده عن ابن عباس رضي الله عنهما: "كانت الخيل وحشاً كسائر الوحوش، فلما أذن الله عز وجل لإبراهيم وإسماعيل برفع القواعد من البيت، قال عز وجل: إني معطيكما كنزاً ادخرته لكما، ثم أوحى الله إلى إسماعيل أن اخرج وادع بذلك الكنز فخرج إسماعيل وما يدري ما الدعاء ولا الكنز، حتى أتى (أجياد)، فألهمه الله عز وجل الدعاء، فنادى يا خيل الله أجيبي، فلم يبق فرس بأرض العرب إلا أجابته ومكنته من نواصيها، وذللت له ثم قال: فاركبوها واعتقدوها فإنها ميامين وإنها ميراث أبيكم إسماعيل عليه السلام؛ وأجياد اسم جبل بمكة.
وأول من سخرها وركبها من ملوك الفرس طهمورث، وأول من اتخذ السروج من ملوك الفرس، أفريدون بن أسفنان. وأول من اتخذ اللجم وأنعل الخيل بالحديد من العرب، أرحب الهمداني وفي ذلك يقول مالك بن بلالة بن أرحب:
أمرت بإيتاء اللجام فأبدعت ... وأنعلت خيلي في المسير حديدا
وأرحب جدي كان أحدث قبلنا ... ولو نطقت كانت بذاك شهودا
وقد كانت العرب تركبها بالرحالة وتتخذ من جلود الغنم بأصوافها، وتخشى صوفاً، أو ليفاً لتكون أخف بالطلب، وهي المعروفة في القطر الشامي بالمكدعة. والبراق: دابة دون البغل وفوق الحمار، أبيض، مضطرب الأذنين، كالفرس وجهاً وعرفاً، وكالبعير قوائم، والبقر ذنباً، وأظلافاً يضع حافره عند منتهى طرفه، إذا أخذ في هبوط طالت يداه وإذا أخذ في صعود طالت رجلاه، أعده الله تعالى لركوب الرسل الكرام، عليهم من الله تعالى أفضل التحية وأكمل السلام.
الباب الأول فيما جاء في فضلها وتكريمها وكراهة التشاؤم منها والنهي عن أكل لحومها وإخصائها وفيه أربعة فصول
الفصل الأول فيما يدل على فضلها من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية
اعلم أن الخيل أشرف الحيوانات ذوات الأربع، ولذا أقسم الله بها في كتابه العزيز بقوله: (والعاديات ضبحاً) فالعاديات جمع عادية، وهي سريعة الجري، والضبح صوت نفسها عند العدو، ليس بصهيل ولا حمحمة. (بالموريات قدحاً) الإيراء: إخراج النار، والقدح الضرب، أي الضاربة بحوافرها الحجارة، فتخرج النار منها (بالمغيرات صبحاً) وهو الوقت المعتاد للغارة، (فأثرن به نقعاً) أي هيجن به غباراً. ومدحها بقوله: (والخيل المسوَّمة) أي المعلمة بالوضح والغرة؛ والخيل جمع لا واحد له من لفظه، وسميت بذلك لاختيالها في المشي.
وذكرها في معرض الامتنان، وقدمها في الذكر بقوله (والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة) وسماها خيراً بقوله: (ووهبنا لداود سليمان نعم العبد إنه أواب إذ عرض عليه بالعشي الصافنات الجياد فقال إني أحببت حب الخير عن ذكر ربي حتى توارت بالحجاب ردوها علي فطفق مسحاً بالسوق والأعناق) الصافنات: جمع صافن، وهو أن يقوم على ثلاث ويثني سنبك اليد الرابعة، والجياد: جمع جواد: أي، بين الجودة بضم الجيم. وقد وصفت هنا بأكمل الأوصاف، حالتي الوقوف والحركة، وفالصفون حالة الوقوف والجودة حالة الحركة، وعنى بالخير الخيل، والعرب تسميها خيراً. ثم قال (عن ذكر ربي) أي لا عن شهوة وهوى.
روي أن سليمان عليه السلام، أراد الغزو فجلس على كرسيه، وأمر بإحضار الخيل وإجرائها، وقال: إني لا أجريها لحظ النفس بل لأمر الله تعالى، ولم تزل تسير وتجري حتى توارت بالحجاب، أي غابت عن بصره، فأمر الروّاض بردها، فلما ردت، طفق يسمح سوقها وأعناقها، إعلاناً بشرفها وعزها، وأنها أعظم ما يدخر لقهر الأعداء والنصر، وإعلاماً بأن خدمة الأمراء لها ومعالجة أمراضها، لا تخل بشرفهم ومراتبهم، وإظهاراً للفرح بنعمة الله عليه بها، ليبالغ في شكرها، وهذا التفسير أليق بشأن النبوة ومقام الرسالة.
وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم، في فضلها عموماً وفي فضل خيل الجهاد خصوصاً، أحاديث كثيرة، اقتصرت منها على إيراد بعض ما ورد في عمومها، فمن ذلك ما روي عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "لم يكن شيء أحب إلى رسول الله بعد النساء من الخيل".
وعن عائد بن نصيب قال: "رأيت النبي صلى الله عليه وسلم أتي بفرس شقراء في سوق المدينة مع إعرابي، فلوى ناصيتها بين إصبعيه وقال: الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة".
وعن عبد الله بن دينار قال: "مسح رسول الله وجه فرسه بيده وقال: إن جبريل بات الليلة يعاتبني في إذالة الخيل".
وعن نعيم بن أبي هند، أن النبي صلى الله عليه وسلم "أتي بفرس فقام إليه يمسح عينيه، ومنخريه، بكم قميصه فقيل: يا رسول الله؛ تمسح بكم قميصك؟ فقال: إن جبريل عاتبني في الخيل".
وعن جرير بن عبد الله قال: "رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يلوي ناصية فرسه ويقول: الخير معقود في نواصي الخيل إلى يوم القيامة". وقال صلى الله عليه وسلم: "الخيل مبدأة الورد - أي: يبدأ بها في السقي قبل الإبل والغنم -، وإذا مرت بنهر عجاج فشربت منه، كتبت له حسنات" وعن مجاهد قال: "أبصر النبي صلى الله عليه وسلم إنساناً ضرب فرسه ولعنه، فقال: هذه مع تلك لتمسنك النار إلا أن تقاتل عليه في سبيل الله؛ فجعل الرجل يقاتل عليه إلى أن كبر وضعف وجعل يقول: اشهدوا اشهدوا". وعن زيد بن ثابت، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم "قضى في عين الفرس ربع ثمنه". وعن عروة البارقي قال: "كانت لي أفراس فيها فحل شراؤه عشرون ألف درهم، ففقأ عينه دهقان فأتيت عمر رضي الله عنه، فكتب إلى سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، أن خير الدهقان بين أن يعطيه عشرين ألفاً ويأخذ الفرس، وبين أن يغرم بربع الثمن".
وعن عبادة بن الصامت قال: "عرضت على معاوية خيل فقال لرجل من الأنصار: يا ابن الحنظلية! ماذا سمعت رسول الله في الخيل؟ قال: سمعته صلى الله عليه وسلم يقول: الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة، وصاحبها يعان عليها، والمنفق عليها، كالباسط يده بالصدقة لا يقبضها، وأبوالها وأرواثها عند الله يوم القيامة كذكي المسك". وفي رواية: "كف من مسك الجنة". وفي أخرى: "فامسحوا بنواصيها وادعوا الله لها بالبركة، وقلدوها ولا تقلدوها الأوتار"، لأن العرب كانت تقلد الخيل أوتار القسي لئلا تصيبها العين، فنهاهم عن ذلك، وأعلمهم أن الأوتار لا ترد شيئاً من قضاء الله تعالى. ورخص بتقليدها الخرز لأجل الزينة. قيل لأعرابي ما تقول في نساء بني فلان؟ قال: هن قلائد الخيل، أي كرام لأنه لا يقلد من الخيل إلا الكريم السابق.
وعن سواد بن الربيع الجرمي قال: "أتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فأمر لي بذود وقال لي: عليك بالخيل فإن في نواصيها الخير إلى يوم القيامة" وفي رواية: "والأجر والمغنم".
وعن سواد أيضاً قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اربطوا الخيل فإن الخيل في نواصيها الخير" وفي رواية "الغنم بركة الإبل عز لأهلها والخير في نواصي الخيل إلى يوم القيامة. وعبدك أخوك فأحسن إليه، وإن وجدته مغلوباً فأعنه". وقال صلى الله عليه وسلم: "الفخر في أهل الخيل، والجفاء في أهل الإبل، والسكينة في أهل الغنم".
وعن سلمان الفارسي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما من رجل مسلم إلا حق عليه أن يربط فرساً إذا أطاق ذلك" وفي الخبر "العز في نواصي الخيل والذل في أذناب البقر" وقال صلى الله عليه وسلم - لما رأى السكة ببعض دور الأنصار -: "ما دخلت هذه دار قوم إلا دخله الذل" وذلك لما يتبعها من المغرم المفضي إلى التحكم.
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "لما استقرت أمور الحجاج الثقفي خرجنا حتى قدمنا بلدة واسط وذكر اجتماعه بالحجاج وعرض خيله عليه، فقال أنس: الخيل ثلاثة أفراس: فرس يتخذه صاحبه يريد أن يجاهد عليه، ففي قيامه عليه وعلفه وأدبه إياه - أحسبه قال -: وكسح مذوده، أي كنسه أجر في ميزانه يوم القيامة. وفرس يصيب أهلها من نسلها يريدون بذلك وجه الله فقيامهم وأدبهم إياها وعلفهم إياها وكسح روثها أجر في ميزانهم يوم القيامة، وأهلها معانون عليها. وفرس للشيطان فقيام أهله عليه وعلفهم إياه وغير ذلك وزر في ميزانهم يوم القيامة".
وعن عبد الله بن مسعود قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "الخيل ثلاثة: فرس للرحمن، وفرس للإنسان، وفرس للشيطان، فأما فرس الرحمن فالذي يرتبط في سبيل الله، وأما فرس الإنسان فالتي يرتبطها الإنسان يلتمس بطنها فهي ستر من فقر، وأما فرس الشيطان فالذي يقام ليراهن عليه". وعنه صلى الله عليه وسلم: "المنفق على الخيل كالمستكفي بالصدقة"، أي: الباسط يده ليعطيها، وفي رواية: "لم ينس حق الله في رقابها وظهورها"؛ أي: الإحسان إليها ومنع ظهورها من الحمل عليها. وعن علي بن حوشب سمعت مكحولاً يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أكرموا الخيل وجللوها" وعن الوضين بن عطاء عنه صلى الله عليه وسلم: "لا تقودوا الخيل بنواصيها فتذلوها".
وقال الجعفي:
الخير ما طلعت شمس وما غربت ... معلق بنواصي الخيل معقود
وقال كعب بن مالك الأنصاري:
ونعد للأعداء كل مقلص ... ورد ومحجول القوائم أبلق
أمر الإله بربطها لعدوه ... في الخوف إن الله خير موفق
فتكون غيظاً للعدو وحافظاً ... للدار إذ دلفت خيول المرق
وقال علقمة بن عامر المازني:
ما كنت أجعل مالي فرغ شانئة ... في رأس جذع يصيب الماء في الطين
الخيل من عدتي أوصى الإله بها ... ولم يوصِّ بغرس في البساتين
الفصل الثاني في تكريم العرب لها وحبهم إياها وما ورد عنهم في ذلك اعلم أن العرب تحب الخيل، وتبالغ في إكرامها، وترى أن العز والزينة بها، وقهر الأعداء على ظهورها، والغناء على بطونها، قال الشاعر:
قلائد نحن افتديناهنَّ ... نعم الحصون والعداد هنَّ
وبحض رسول الله صلى الله عليه وسلم، على اقتنائها، وتنويهه بفضلها، وتفخيم شأنها، اكتسبت حب الشرع وحب الطبع، فكانت عندهم كأفلاذ الأكباد، أعز عليهم من الأنفس والأولاد، وكان الرجل يبيت طاوياً، ويشبع فرسه، ويؤثره على نفسه وأهله وولده.
وقال دريد بن الصمة لأبي النضر: "قد رأيت منكم خصالاً لم أرها من غيركم، رأيت أبنيتكم متفرقة، ونتاج خيلكم قليلاً، وسرحكم يجيء معتماً، وصبيانكم يتضاوغون من غير جوع. قال أجل: أما تفرق أبنيتنا فمن غيرتنا على النساء، وأما قلة نتاج خيلنا فنتاج هوازن يكفينا، وأما بكاء صبياننا، فإنا نبدأ بالخيل قبل العيال، وأما تمسينا بالنعم فإن فينا الأرامل والغرائب، فتخرج المرأة إلى ما لها حيث لا تراها الرجال". وقال أكثم بن صيفي: "عليكم بالخيل، فأكرموها فإنها حصون العرب، ولا تضعوا رقاب الإبل في غير حقها، فإن فيها ثمن الكريمة ورقوء الدم وبألبانها يتحف الكبير، ويغذى الصغير". وقال ابن عباس رضي الله عنهما:
أحبوا الخيل واصطبروا عليها ... فإن العز فيها والجمالا
إذا ما الخيل ضيعها أناس ... ربطناها فأشركت العيالا
نقاسمها المعيشة كل يوم ... ونكسوها البراقع والجلالا
وقال خالد بن جعفر بن كلاب:
أديروني أداتكم فإني ... وحذفة كالشجى تحت الوريد
مقربة أسومها بخز ... وألحفها ردائي في الجليد
وأوصي الراغبين ليؤثروها ... لها لبن الخلية والصعود
تراها في الغزاة وهن شعث ... كقلب العاج في رسغ الجليد
يبيت رباطها بالليل كفي ... على عود الحشيش وعير غود
لعل الله يفردني عليها ... جهاداً من زهير أو أسيد
وقال مالك بن نويرة:
إذا ضيع الأنذال في المحل خيلهم ... فلم يركبوا حتى تهيج المضايف
كفاني دوائي ذو الخمار وصيفق ... على حين لا يقوى على الخيل عاتف
أعلل أهلي عن قليل متاعهم ... وأسقيه غص الشول والحي هاتف
وقال فارس جروة شداد بن معاوية العبسي:
فمن يك سائلاً عني فإني ... وجروة كالشجي تحت الوريد
أقوتها بقوتي إن شتونا ... وألحفها ردائي في الجليد
وقال:
ومن يك سائلاً عني فإني ... وجروة لا تباع ولا تعار
مقربة الشتاء ولا تراها ... أمام الحي يتبعها المهار
لها بالصيف جرجار وجل ... وست من كرائمها غزار
والمعنى: أنه اقتناها للحرب، فلا تباع ولا تعار، ولا يطلب نسلها، ولها من كرائم الإبل ست نوق تشرب من ألبانها.
وقال أيضاً:
ألا لا تطلبوا فرسي لبيع ... فجروة لا تباع ولا تعار
لنا من ظهرها حصن منيع ... وفي وثباتها نور ونار
فنفديها إذا جاءت إلينا ... مع الرعيان تتبعها المهار
وندخرها لأيام الرزايا ... فتنجينا إذا طلع الغبار
فجروة مهرة في الخيل تسمو ... كما يسمو على الليل النهار
تطير مع الرياح بغير ريش ... ولم يلحق لها أبداً غبار
وكان لعنترة بن شداد فرس اسمه الأبجر ابن نعامة وكان يسقيه الحليب قبل أن يسقي زوجته عبلة فعاتبته على ذلك فقال:
لا تحسدي مهري وما أسقيته ... ما أنت إلا في مقام أعظم
فإذا غضبت فلي إليك وسيلة ... إما بعقد أو بثوب معلم
وابن النعامة ما إليه وسيلة ... إلا بطيبة مشرب أو مطعم
إن كان حبك في الفؤاد محله ... في أعظمي يجري كما يجري دمي
فاروي صداه من الظما فلعله ... ينجيك من هول الغبار المظلم
إني أحاذر أن تقولي مرة ... هذا غبار ساطع فتقدم
فيخونني وقت الطعان فتصبحي ... مسبية بتحسر وتندم
وقال أيضاً:
ولا تذكري فرسي وما أطعمته ... فيكون جلدك مثل جلد الأجرب
إن الغبوق له، وأنت مسوءة ... فتأوهي ما شئت ثم تحوبي
كذب العتيق وماء شن بارد ... إن كنت سائلتي غبوقاً فاذهبي
إن الرجال لهم إليك وسيلة ... إن يأخذوك تكحلي وتخضبي
ويكون مركبك القعود وحدجه ... وابن النعامة عند ذلك مركبي
وأنا امرؤ إن يأخذوني عنوة ... أقرن إلى شر الركاب وأجنب
إني أحاذر أن تقول ظعيتني ... هذا غبار ساطع فتلبب
وكان لعبيدة بن الربيع التميمي فرس تسمى سكاب، فطلبها منه بعض الملوك فقال:
أبيت اللعب إن سكاب علق ... نفيس لا تعار ولا تباع
مفادة مكرمة علينا ... يجاع لها العيال ولا تجاع
سليلة سابقين تناجلاها ... إذا نسبا يضمهما الكراع
ففيها غرة من غير نفر ... يحيدها إذا حر القراع
فلا تطمع أبيت اللعن فيها ... ومنعكها بشيء يستطاع
وكفي تستقل بحمل سيفي ... وبي ممن يهضمني امتناع
وحولي من بني قحفان شيب ... وشبان إلى الهيجا سراع
إذا فزعوا فأمرهم جميع ... وإن لا قوا فأيديهم شعاع
وإذا أوجب الأمر إلى بيعها للضرورة لا يبيعونها نسبة إلى كرمها عليهم ويقولون: النقد عند الحافر. وقال أوس بن غلفاء الجهمي:
أعان على مراس الحرب زغف ... مضاعفة لها حلق توام
ومركضة صريحي أبوها ... يهان لها الغلامة والغلام
وقال حنظلة بن فاتك الأسدي:
أعددت حزمة وهي مقربة ... تقفى بقوت عيالنا وتصان
وقال:
جزتني أمس حزمة سعي صدق ... وما أقفيتها دون العيال
وقال حاجب بن حبيب الأسدي:
وباتت تلوم على تادقٍ ... ليشرى فقد جد عصيانها
ألا إن نجواك في تادق ... سواء علي وإعلانها
وقالت أعشنا به إنني ... أرى الخيل قد ثاب أثمانها
فقلت ألم تعلمي أنني ... كريم النكية ميدانها؟
وروي أن سبيع بن الخطيم التميمي خطب إلى عمه ابنته، فقال له عمه: أعطني مهرها فرسك نحلة، فقال: خذ بدلها إبلاً، فأبى إلا نحلة، فقال سبيع:
تقول نحلة أودعني فقلت لها: عول علي بأبكار هراجيب
لجت علي يمين لا أبدلها ... من ذات قرطين بين النحر واللوب
وحكي أن بعض الفرسان كان يحب ابنه عمه فخطبها من عمه ودفع له مئة ناقة براعيها، فقال: أنت أحق بها من غيرك، ولا أريد مهرها إلا جوادك فتوقف عن الجواب فنظرت إليه ابنة عمه وغمزته فتنهد وأنشد:
وقعقعة اللجام برأس مهري ... أحب إلي مما تغمزيني
وما هان الجواد علي حتى ... أجود به ورمحي في يميني
أخاف إذا وقعنا في مضيق ... وجد السير، أن لا تحمليني
جياد الخيل إن أركبها تنجي ... وإني إن صحبتك توقعيني
دعيني واذهبي يا بنت عمي ... أفي غمز الجفون تراوديني
فمهما كنت في نعم وعز ... متى جار الزمان فتزدريني
وأخشى إن وقعت على فراش ... وطالت علتي لا ترحميني
فلما سمعت كلامه اغرورقت عيناها بالدموع وأنشأت تقول:
أبى الرحمن أن تنظر هذا ... ولو قطعت شمالي عن يميني
متى عاشرتني وعرفت طبعي ... ستعلم أنني خير القرين
وتحمد صحبتي وتقول كانت ... لهذا البيت كالحصن الحصين
فظن الخير واترك سوء فكر ... وميز ذاك بالعقل الرزين
فتعلم لو تقابلني بدر ... لقل الدر للدر الثمين
ولو بجواهر قالوا تبعها ... بوزني بالجواهر تشتريني
فحاشا من فعال النقص مثلي ... وحاشاها الخيانة للأمين
فلم سمع أبوها منهما ذلك، علم أنه كفؤٌ لها فزوجه، وقال مالك بن نويرة.
جزاني دوائي ذو الخمار وصنعتي ... إذا بات أطوائي بني الأصاغر
أخادعهم عنه ليغبق دونهم ... وأعلم غير الظن أني مغادر
كأني وأبدان السلاح عشية ... تمر بنا في بطن فيحاء، طائر.
وقال:
أعلل أهلي عن قليل متاعهم ... وأسقيه محض الشول والحي ضائق
وقال خالد بن جعفر الكلابي:
أمرت الرعاء ليكرموها ... لها لبن الخليلة والصعود
وقال طفيل الغنوي:
وللخيل أيام فمن يصطبر لها ... ويعرف لها أيامها الخير يعقب
وقال:
إني وإن قل مالي، لا يفارقني ... مثل النعامة في أوصالها طول
أو ساهم الوجه لم تقطع أناجله ... يصان وهو ليوم الردع مبذول
ساهم الوجه عاليه وهي صفة ممدوحة في الحرب للخيل والناجل الكريم النسل.
وقال كعب بن مالك:
نصبحكم بكل أخي حروب ... وكل مطهم سلس القياد
خيول لا تضاع إذا أضيعت ... خيول الناس في السنة الجماد
وقال ضبية العبسي:
جزى الله الأغر جزاء صدق ... إذا ما أوقدت نار الحروب
يقيني باللبان ومنكبيه ... وأحميه بمطرد الكعوب
وأدفيه إذا هبت شمال ... بليل حرجف عند الغروب
أراه أهل ذلك حين يسعى ... رعاة الحي في جمع الحلوب
فيخفق مرة ويفيد أخرى ... ويفجع ذا الضغائن بالأريب
إذا شمنا أغر دنا لقاء ... يغص الشيخ باللبن الحليب
شديد مجامع الكتفين طرف ... به أثر الأسنة كالعلوب
وأكرهه على الأبطال حتى ... يرى كالأرجواني المجوب
وقال شاعر بني عامر:
بني عامر ماذا أرى الخيل أصبحت ... بطاناً وبعض الضر للخيل أمثل
بني عامر إن الخيول وقاية ... لأنفسكم والموت وقت مؤجل
أهينوا لها ما تكرمون وباشروا ... صيانتها والصون للخيل أجمل
متى تكرموها يكرم المرء نفسه ... وكل امرئ من قومع حيث ينزل
وقال الأعرج المعنى:
أرى أم سهلٍ ما تزال تفجع ... تلوم وما أدري علام توجع
تلوم على أن أمنح الورد لفحة ... وما تستوي والورد ساعة تفزع
إذا هي قامت حاسراً مشمعلة ... نخيب الفؤاد رأسها ما يقنع
وقمت إليه باللجام ميسراً ... هنالك يجزيني بما كنت أصنع
نخيب الفؤاد: أي طائر اللب، وقال عمر بن مالك:
وسابح كعقاب الجو أجعله ... دون العيال له الإيثار واللطف
وقال مالك بن زغبة الباهلي:
وذات مناسب جرداء بكر ... كأن سراتها كر مشيق
تنيف بصلهب للخيل عال ... كأن عموده جذع سحوق
تراها عند قبيتنا نصيراً ... ونبذلها إذا باقت بئوق
ذات المناسب: المنسوبة من قبل الأب والأم، وسراتها: أعلاها، والكر: الحبل، والمشيق: أثر برجلها، وتنيف: تشرف، والصلهب: طول العنق، والسحوق: الطول والقصير من الخبل المحبوس، والبئوق: الداهية، أي: تصان لكرامتها وتبذل إذا نزلت شدة وداهية. وقال أبو العلاء المعري:
كان ابن آشى وحده قيناً لها ... إذا قين كل مفاضة مأنوك
فمضى وخلفها تئل كأنما ... حبك السماء قتيرها المحبوك
تعدو بها الشقاء جنبها الصدى ... يوم الهجير يقينها المشكوك
لما التقى صرد اللجام ونابها ... ألكت فصاح لجامها المألوك
وتخالها عند الجريح إذا هوى ... أمّاً يقر بها ابنها المنهوك
وسقيتها المحض الصريح وطعمه ... حلو وكان لغيرها الصمكوك
الصمكوك: اللبن الخائر الحامض، والمحض الصريح: اللبن الخالص.
وقال قبيصة ابن النصراني الجرمي:
هاجرتي يا بنت آل سعد ... أئن حلبت لقحة للورد
جهلت من عنانه الممتد ... ونظري في عطفة الألد
إذا جياد الخيل جاءت تردى ... مملوءة من غضب وحرد
وقال آخر:
فإني له في الصيف ظل بارد ... ونصبي ناعجة ومحض منقع
حتى إذا نبح الظباء بداله ... عجل كأحمرة الصريمة أربع
النصي: اسم نبت، والناعجة: الأرض السهلة، أي: هو كريم أعد له أربعة أسقية مملوءة من الحليب كأنها الصخر الملمس من اكتنازها، وأراد بنبح الظباء: طلوع الفجر، لأن الظبي إذا أسن نبح عند طلوعه.
وكان لا يسقون الحليب ولا الحازر من اللبن إلا لجياد الخيل. قال الشاعر:
لا تسقه حزراً ولا حليبا ... إن لم تجده سابحاً يعبوبا
ذا ميعة يلتهم الجبوبا ... يترك صوان الصوى ركوبا
بزلقات قعبت تعقيبا ... يترك في آثاره لهوبا
يبادر الآثار أن تؤوبا ... وحاجب الجونة أن يغيبا
كالذئب يتلو أقمعاً قريبا ... على هراميت ترى العجيبا
إن تدع الشيخ فلن يجيبا
اليعبوب: كثير الجري، والميعة: النشاط والحدة، والالتهام: الابتلاع، والجبوب: وجه الأرض، والصوان: صم الحجارة، والصوى: الأعلام، والركوب: المذلل، والزلقات: الحوافر، والأبوب: الرجوع، والجونة: الشمس، أي: يباد آثار المطلوبين قبل مغيب الشمس، وشبه الفرس بالذئب الطامع في صيد قريب منه، وهو نهاية الطمع.
وقال ثعلبة بن عمرو العبدي:
وأهلك مهر أبيك الدواء ... وليس له من طعام نصيب
خلا إنهم كلما أورداو ... يصبح قعباً عليه ذنوب
أي: أن فرس أبيك يسقى قعباً من لبن عليه ذنوب من الماء ولا يخدم بالمعالجة فلذا هلك.
وقال الأخنس بن شهاب:
ترى رائدات الخيل حول بيوتنا ... كمعز الحجاز أعوزتها الزرائب
فيغبقن أحلاباً ويصبحن مثلها ... فهن من التعداء قب شواذب
وقال القطامي:
ونحن نرود الخيل وسط بيوتنا ... ويغبقن محضاً وهي محل مسانف
المسانف: القحط.
وقال الفجيجي صاحب السلوانية:
وخيلي حليب الشول صرفاً شرابها ... وصافي النصي رعيها لا المزارع
وتعلف مبيض الشعير وأنتقي ... لها من نبات الأرض ما هو نافع
الشول: الإبل، وشرب حليبها يقوي عصب الإنسان والخيل وينقص اللحم.
وقال سيدي الوالد قدس الله سره:
يا عاذراً لامرئٍ قد هام في الحضر ... وعاذلاً لمحب البدو والقفر
لا تذممن بيوتاً خف محملها ... وتمدحن بيوت الطين والحجر
لو كنت تعلم ما في البدو تعذرني ... لكن جهلت وكم في الجهل من ضرر
أو كنت أصبحت في الصحراء مرتقياً ... بساط رمل به الحصباء كالدرر
أو جلت في روضة قد راق منظرها ... بكل لون جميل شيق عطر
تستنشقن نسيماً طاب منتشقاً ... يزيد في الروح لم يمرر على قذر
أو كنت في صبح ليل هاج هاتنه ... علوت في مرقب أو جلت بالنظر
رأيت في كل وجه من بسائطها ... سرباً من الوحش يرعى أطيب الشجر
فيا لها وقفة لم تبق من حزن ... في قلب مضني ولا كد لذي ضجر
نباكر الصيد أحياناً فنبغته ... فالصيد منا مدى الأوقات في ذعر
فكم ظلمنا ظليماً مع نعامته ... وإن يكن طائراً في الجو كالصقر
يوم الرحيل إذا شدت هوادجنا ... شقائق عمها مزن من المطر
فيها العذارى وفيها قد جعلن كوى ... مرقعات بأحداق من الحور
تمشي الحداة لها من خلفها زجل ... أشهى من الناي والسنطير والوتر
ونحن فوق جياد الخيل نركضها ... شليلها زينة الأكفال والخصر
نطارد الوحش والغزلان نلحقها ... على البعاد وما تنجو من الضمر
نروح للحي ليلاً بعد ما نزلوا ... منازلا ما بها لطخ من الوضر
ترابها المسك بل أنقى وجاد بها ... صوب الغمائم بالآصال والبكر
نلقى الخيام وقد صفت بها فغدت ... مثل السماء زهت بالأنجم الزهر
قال الأُلى قد مضوا قولاً يصدقه ... نقل وعقل وما للحق من غير
الحسن يظهر في بيتين رونقه ... بيت من الشعر أو بيت من الشعر
أنعامنا إن أتت عند العشي تخل ... أصواتها كدوي الرعد بالسحر
سفائن البر بل أنجى لراكبها ... سفائن البحر كم فيها من الخطر
لنا المهارى وما للريم سرعتها ... بها وبالخيل نلنا كل مفتخر
فخيلنا دائماً للحرب مسرجةً ... من استغاث بنا بشره بالظفر
لا نحمل الضيم ممن جار نتركه ... وأرضه وجميع العز في السفر
وإن أساء علينا الجار عشرته ... نبين عنه بلا ضر ولا ضرر
تبيت نار القرى تبدو لطارقنا ... فيها المداواة من جوع ومن خصر
عدونا ماله ملجأ ولا وزر ... وعندنا عاديات السبق والظفر
شرابها من حليب لا يخالطه ... ماء وليس حليب النوق كالبقر
أموال أعدائنا في كل آونة ... نقضي بقسمتها بالعدل والقدر
ما في البداوة من عيب تذم به ... إلا المروءة والإحسان بالبدر
وصحة الجسم فيها غير خافية ... والعيب والداء مقصور على الحضر
من لم يمت عندنا بالطعن عاش مداً ... فنحن أطول خلق الله في العمر
وكان أشراف العرب يخدمون الخيل بأنفسهم لا يتكلون على أحد سواهم. قال الأعشى يمدح النعمان بن المنذر:
ويأمر لليحموم كل عشية ... بقت وتعليف فقد كان يسنق
أي: مع شرفه وعزة سلطانه، كان يفتقد فرسه، والسنق: التخمة، فإن لم يكن حاضراً يخدمنها عائلته.
وكتب سليمان بن هشام بن عبد الملك إلى والده، إن فرسي قد ضعف فإن رأى أمير المؤمنين أن يأمر لي بغيره. فكتب إليه والده إن أمير المؤمنين قد فهم ما ذكرت من ضعف فرسك، وظن أن ذلك من قلة تعهدك له فقم عليه بنفسك.
وقال حسان بن ثابت رضي الله عنه:
تظل جيادنا متمطرات ... يلطمهن بالخمر النساء
ينازعن الأعنة مصعدات ... على أكتادها أسد ضراء
وقال حميد بن ثور:
فلما كشفن عنه مسحنه ... بأطراف طفل زان غيلاً موشما
ومن الحكم: ثلاثة لا ينبغي لأحد أن يأنف منهن وإن كان شريفاً أو أميراً؛ قيامه عن مجلسه لأبيه، وخدمته لضيفه، وقيامه على فرسه.
وقال محمد بن يزيد المرواني:
ومن ورق صامت بدرة ... ينوء بها الأغلب الأعصم
ففضت لهن خواتمها ... وبدرتنا الدهر لا تختم
نوزعها بين خدامها ... ونحن لها منهم أخدم
وأنا لنرتبط المقربات ... في اللدنَّات فما ترزم
نعد لها المحض بعد الثلث ... كما يصلح الصبية المعظم
ونخلطها بضميم العيال ... بمن لم يخب وهو المحرم
مشاربها الصافيات العذب ... ومطعمهن هو المطعم
فهن بأكناف أبياتنا ... صوافن يصلهن أو حوَّم
وقال المقنع الكندي:
وإني لعبد الضيف مادام نازلاً ... وما شيمة لي غيرها تشبه العبدا
وقبله:
يعاتبني في الدين أهلي وإنما ... ديوني في أشياء تكسبهم حمدا
أسد بها ما قد أخلوا وضيعوا ... ثغور حقوق ما أطاقوا لها سدا
وفي جفنةٍ ما يغلق الباب دونها ... مكللة لحماً مدفقةٍ ثردا
وفي فرس فهد عتيق جعلته ... حجاباً لبيتي ثم أخدمته عبدا
وإن الذي بيني وبين أبي ... وبين بني عمي لمختلف جدا
إذا أكلوا لحمي وفرت لحومهم ... وإن هدموا مجدي بنيت لهم مجدا
وإن همُ هووا غيبي حفظت غيوبهم ... وإن ضيعوا رشدي أقمت لهم رشدا
وليسوا إلى نصري سراعاً وإن هم ... دعوني إلى نصر أتيتهم شدا
ولا أحمل الحقد القديم عليهم ... وليس رئيس القوم من يحمل الحقدا
لهم جل مالي إن تتابع لي غنى ... وإن قل مالي، لم أكلفهم رفدا
وإني لعبد الضيف...البيت
الفصل الثالث فيما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم من كراهة التشاؤم بها
روي عن حكيم بن معاوية قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا شؤم وقد يكون اليمن في المرأة والدار والفرس".
وعن سفيان عن الزهري عن سالم عن أبيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "البركة في ثلاث في الفرس والمرأة والدار". قال الزهري: سألت سالم بن عبد الله عن معنى الحديث وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "الشؤم في ثلاثة في الفرس والمرأة والدار"، فقال: "قال صلى الله عليه وسلم: إذا كان الفرس ضروباً فهو مشؤوم، وإذا كانت المرأة قد عرفت زوجاً قبل زوجها فحنت إلى الزوج الأول فهي مشؤومة، وإذا كانت الدار بعيدة عن المسجد لا يسمع فيها الأذان فهي مشؤومة، وإذا كن بغير هذا الوصف فهن مباركات". وقال القاضي عياض: "معناه اعتقاد الناس هذا لا أنه خبر منه صلى الله عليه وسلم عن إثبات الشؤم لها".
وروي عن مكحول أنه قال لعائشة رضي الله عنها: "إن أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الشؤم في ثلاثة في الدار والمرأة والفرس. فقالت عائشة: لم يحفظ أبو هريرة لأنه دخل ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: قاتل الله اليهود يقولون الشؤم في ثلاثة في الدار، والمرأة، والفرس، فسمع آخر الحديث ولم يسمع أوله".
وروي عنه صلى الله عليه وسلم: "الخيل معقوص في نواصيها الخير إلى يوم القيامة" (العقصة: الضفيرة). وعن أنس بن مالك عنه صلى الله عليه وسلم: "البركة في نواصي الخيل" الناصية الشعر المسترسل على الجبهة، وفي الحديث: "ثلاثة لا يسلم منها أحد: الطيرة والحسد، والظن، قيل فما نصنع؟ قال: إذا تطيرت فأمض، وإذا حسدت فلا تبغ، وإذا ظننت فلا تصحح".
وروي: "الطيرة شرك"، قال الترمذي: "هي سوء الظن بالله والهرب من قضائه، لأن العرب كانوا يعتقدون أن ما يتشاءمون به سبب مؤثر في حصول المكروه، ومن اعتقد أن غير الله تعالى يضر أو ينفع، فقد أشرك" زاد يحيى القطان عن شعبة: "وما منا إلاّ من يعتريه الوهم قهراً، ولكن الله يهديه بالتوكل". ومن لطيف ما حكي، أنه عرض على أبي مسلم الخراساني فرس لم ير مثله، فقال: "لماذا يصلح هذا الجواد؟ قالوا: للغزو في سبيل الله؛ فقال: لا. قالوا: يطلب عليه العدو، فقال: لا. قالوا: فلماذا يصلح أصلح الله الأمير؟ فقال: ليركبه الرجل ويفر من المرأة السوء والجار السوء". وقيل: من سعادة المرء: امرأة حسناء ودار قوراء، وفرس مربوطة بالفناء.
الفصل الرابع فيما ورد من النهي عن أكل لحومها وإخصائها وجز نواصيها وأذنابها
قال تعالى: "والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة". وعن خالد بن الوليد رضي الله عنه: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن أكل لحوم الخيل"، أي: وإن كان حلالاً لئلا يقل نسلها، فتفقد آلة في الجهاد، وقد خصها الله بسهمين من الغنيمة دون غيرها لفضلها. ونهى صلى الله عليه وسلم عن إخصائها. فقد ورد عن عمرو بن العاص قال: "أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فرساً من حدس "حي من اليمن" فأعطاه رجلاً من الأنصار وقال: إذا نزلت فانزل قريباً مني فإني أتسار إلى صهيله. ففقده ليلة، فسأل عنه، فقال: يا رسول الله خصيناه، فقال مثلت به - يقولها ثلاثاً -، والخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة أعرافها وأدفاؤها، وأذنابها مذابّها التمسوا نسلها وباهوا بصهيلها المشركين".
وعن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن إخصاء الخيل"، أي: إن لم تخف منه العض أو سوء الخلق، كما بينه الفقهاء. وعن مكحول: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن جز أذناب الخيل وأعرافها ونواصيها وقال: إنما أذنابها مذابها وأعرافها أدفاؤها وأما نواصيها ففيها الخيل". وعن أنس بن مالك عنه صلى الله عليه وسلم: "لا تهلبوا أذناب الخبل، ولا تجزوا أعرافها ونواصيها" وقال: "البركة في نواصيها، ودفاؤها في أعرافها، وأذنابها مذابها". وعن الشعبي قال: "قرأت كتاب عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى عامله على الكوفة سعد بن أبي وقاص ينهى حذف أذناب الخيل وأعرافها وإخصائها ويأمر أن يجري من رأس المئتين، وهو أربعة فراسخ، والفرسخ ثلاثة أميال، والميل أربعة 'لاف ذراع، والبريد ثلاثة فراسخ، وأول من جز ناصية فرسه وذنبها الحارس بن عباد يوم تحلاق اللمم في أيام حرب البسوس، وذلك أنه لما سمع بقتل ولده بجير دعا بفرسه النعامة فجيء بها فجز ناصيتها وذنبها ونادى في قومه، وأنشد قصيدته التي مطلعها:
كل شيء مصيره للزوال ... غير ربي وصالح الأعمال
ومنها:
قربا مربط النعامة مني ... لقحت حرب وائل عن حيال
فاتخذت العرب ذلك سنة، إذا أرادوا إدراك الثأر، فعلوا ذلك بخيلهم. فلما بلغ المهلهل فعل الحارث، دعا بفرسه المشهر وفعل به ما فعله الحارث بالنعامة وقال قصيدته التي مطلعها: هل عرفت الغداة من أطلال ... رهن ريح وديمة مهطال
ومنها:
قربا مربط المشهر مني ... لكليب الذي أشاب قذالي
تتمة قي سقوط الزكاة عنها عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله تجاوز لكم عن صدقة الخيل". وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأخذ من الخيل صدقة". وعن سلمان بن يسار "أن أهل الشام قالوا لأبي عبيدة: خذ من خيلنا صدقة فأبى، ثم كتب إلى عمر فأبى فكلموه أيضاً فكتب إلى عمر فكتب إليه: إن أحبوا فخذها منهم وارددها". أي: على فقرائهم لقوله تعالى: "والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة" فهي زينة الله التي أخرج لعباده، فالحيوان الذي له الكر والفر أنفع حيوان في الجهاد في سبيل الله فالأغلب أنه لله، وما كان لله فليس فيه حق الله، وأما إذا كانت سائمة ففيها الزكاة. روي عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "في الخيل السائمة في كل فرس دينار".
الباب الثاني في بيان أنواعها وفضل الذكر منها على الأنثى وفيه خمسة فصول
الفصل الأول في العربي
اعلم أن الخيل على أربعة أقسام: عربي وهجين ومقرف وبرذون، فالعربي هو الذي أبوه وأمه متساويان في الأصل، ويسمى: عتيقاً لعتقه من العيوب وسلامته من الطعن فيه، والغالب أن يكون متوسط الجسم متناسب الأعضاء يعجب كل من رآه. قال الأعشى:
تدر على غير أسمائها ... مطرفة بعد إتلادها
المطرف: كريم الآباء والأمهات، والتلاد: المال القديم المورث عن الآباء، وقال البحتري:
وافي الضلوع يشيد عقد حزامه ... يوم اللقاء على معم مخول
وقال أبو تمام:
وتهب لي بعجاج موكبك الصبا ... إن السماحة تحت ذاك القسطل
بالراقصات كأنها رسل القضا ... والمقربات بهن مثل الأفكل
من نجل كل تليدة أعراقه ... طرف معم في السوابق مخول
المقربات: ما تقرب من البيوت لكرمها، والأفكل: الرعدة.
وقال آخر:
فلما رأوا ما قد رأته شهوده ... تنادوا ألا هذا الجواد المؤمل
أبوه ابن زاد الركب وهو ابن أخته ... معم لعمري في الجياد ومخول
وقال ابن الخطيب الأندلسي:
أو من كميت لا نظير لحسنه ... سام معم في السوابق مخول
المعم: كريم الأعمام، والمخول: كريم الأخوال. ويقال: كرم الفرس، إذا رق جلده ولان شعره وطابت رائحته، ويكنى الفرس العربي بأبي شجاع وأبي مدرك وأبي المضمار وأبي المنجي.
روي عن عبد الله بن عريب الملكي عن أبيه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الجن لا تخبل أحداً في بيته عتيق من الخيل". وقال صلى الله عليه وسلم: "إن الشيطان لا يخبل أحداً في دار فيها فرس عتيق". وقال صلى الله عليه وسلم: "إن الشيطان لا يدخل داراً فيها فرس عتيق"، وروي أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني أرجم بالليل، فقال له صلى الله عليه وسلم: "اربط فرساً عتيقاً" فلم يرجم بعد ذلك. وروي "أن إبليس أتى عيسى بن مريم عليه السلام فقال له: عيسى إني سائلك عن شيءٍ فهل أنت صادق فيه؟ فقال: يا روح الله سلني عما بدا لك. فقال: أسألك بالحي القيوم الذي لا يموت ما الذي يسبل جسمك ويقطع ظهرك، قال: سهيل فرس في سبيل الله في قرية من القرى، أو حصن من الحصون، ولست أدخل داراً فيها فرس عتيق". وعن عمر بن عبد العزيز قال أثبت لي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من كان له فرس عربي فأكرمه أكرمه الله تعالى، وإن أهانه أهانه الله تعالى". وعن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من فرس عربي إلاّ يؤذن له عند كل سحر بدعوتين: اللهم خولتني من خولتني من بني آدم وجعلتني له فاجعلني أحب أهله وماله إليه". وعن عمر بن خديج أنه قال: "لما فتحت مصر كان لكل قوم مراغة يمرغون فيها خيولهم، فمر معاوية بأبي ذر وهو يمرغ فرساً له فسلم عليه ووقف فقال: يا أبا ذر! ما هذا الفرس لا أراه إلاّ مستجاباً؟ قال: وهل تدعو الخيل؟ قال: نعم ليس من ليلة إلاّ والفرس يدعو ربه فيها، فيقول: رب إنك سخرتني لابن آدم وجعلت رزقي في يده، اللهم فاجعلني أحب إليه من أهله وولده، فمنها المستجاب ومنها غير المستجاب، ولا أرى فرسك هذا إلا مستجاباً". وعن وهب بن منبه قال: "ما من تسبيحة ولا تكبيرة تكون من راكب فرس، إلا والفرس يسمعها ويجيبه بمثل قوله". وعن مكحول: "أن النبي صلى الله عليه وسلم هجن الهجين يوم خيبر وعرب العربي: للعربي سهمان وللهجين سهم". وعن أبي موسى أنه كتب إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "إنا وجدنا بالعراق خيلاً عراضاً دكاً فما ترى يا أمير المؤمنين في سهماتها فكتب له: تلك البراذين، فما قارب منها العتاق فاجعل له سهماً واحداً، والغُ ما سوى ذلك". وعن أبي الأنمر قال: "أغارت الخيل على الشام فأدركت العراب من يومها، وأدركت الكوادي ضحى الغد، ورئيس الخيل المنذر بن أبي خصمة الهمداني فقال: لا أجعل التي أدركت من يومها مثل التي لم تدرك. فكتب في ذلك إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: هبلت الوادعي أمه، لقد أذكرت به ولقد أذكرني أمراً كنت نسيته أمضوها على ما قال".
قوله: هبلت الهبل الهلاك، والعرب تطلق هذه الكلمة ونظائرها من الدعاء بالمكروه ولا تريد بها شراً، وقد تجريها مجرى المدح عند استعظام الشيء، كقولهم ما له قاتله الله، وقولهم: هبلته أمه، وقوله: لقد أذكرت به، أي: جاءت به ذكراً شهماً. وقد فرقوا بين الإنسان والخيل، فقالوا في الإنسان: عرب وأعراب، وفي الخيل والإبل: عراب، وهي خلاف البراذين والبخاتي. والمعرب من الخيل: الذي ليس في عرقه هجين، والأنثى: معربة، وأعرب الفرس: إذا عرف عتقه من صهيله، والإعراب: معرفة الناس العربي من الهجيم إذا صهل قال الجعدي:
ويصهل في مثل جوف الطوى ... صهيلاً تبين للمعرب
(أي ظهر أنه من العراب حين سمع صهيله)
الفصل الثاني في الهجين
وهو ما كان أبوه أشرف من أمه: مأخوذ من الهجنة، وهي العيب، وهو دون المقرف، قال الشاعر:
لا يدرك العربي الهجين يجله ... ولا حليه في سرجه ولجامه
أي: ولو تحلى الهجين بأنواع الزينة لا يدرك العربي، وقال ذهلة ابن شيبان:
وإذا تقابل مجريان لغاية ... عثر الهجين وأسلمته الأرجل
ويجي الصريح مع العتاق معوداً ... قرب الجياد فلم يجئه الأفكل
الفصل الثالث في المقرف
وهو ما كانت أمه أشرف من أبيه مأخوذ من القرف، وهو القرب، لقربه من الهجين، وإن كان أحط منه، قال الأعشى:
قافل جرشع تراه كتيس ال ... ريل لا مقرف ولا مخشوب
تلك خيلي منه وتلك ركابي ... هن صفر أولادها كالزبيب
القافل: الضامر، والجرشع: منتفخ الجنبين، والمخشوب: الذي لم يحسن تعليمه ورياضته، وقال محمد بن بسام في ابن المرزبان:
بخلت عني بمقرف عطب ... فلم تراني ما عشت أركبه
وإن تكن صنته فما خلق الل ... ه مصوناً وأنت تركبه
ويقال للمقرف: مذرع، - بالذال المعجمة -. قال الفرزدق:
إذا باهلي عنده حنظلية ... له ولد منها فذاك المذرع
فالمذرع كالبغل، إذا سئل عن أبيه قال: أمي الفرس. قال ابن قيس العدوي:
إن المذرع لا تغني خؤولته ... كالبغل يعجز عن شوط المحاضير
وقال آخر:
قوم توارث بيت اللؤم أولهم ... كما توارث رقم المذرع الحمر
وسمي مذرعاً لشبهه بالبغل: لأن كلا منهما في ذراعيه رقمتان كرقمتي ذراع الحمار، والهجنة في الإنسان من قبل أمه. قالت حميدة بنت النعمان بن بشير في الفيض بت عقيل الثقفي:
وما أنا إلا مهرة عربية ... سليلة أفراس تحللها نغل
فإن نتجت مهراً فالله درها ... وإن يك أقرافاً فما أنجب الفحل
النغل: - بالنون - الخسيس من الدواب، وقد غلط من رواه تحللها بغل لأن البغل لا ينتج. وعن جبلة بن عبد الملك قال سابق عبد الملك بن مروان بين ولديه سليمان ومسلمة، فسبق سليمان،
فقال عبد الملك:
ألم أنهكم أن تحملوا هجناءكم ... على خيلكم يوم الرهان فتدرك
وما يستوي المرآن هذا ابن حرة ... وهذا ابن أخرى ظهرها متشرك
فتضعف عضداه ويخفت صوته ... وتقصر رجلاه فلا يتحرك
وأدرك خالات له فنزعنه ... إلا أن عرق السوء لا بد مدرك
ثم أقبل على مصقلة بن هبيرة الشيباني فقال: أتدري من يقول هذا؟ قال: لا. فقال: هو قول أخيك، فقال مسلمة: يا أمير المؤمنين! ما هكذا قال حاتم الطائي، فقال عبد الملك: وماذا قال؟ فقال:
وما أنكحونا طائعين بناتهم ... ولكن خطبناها بأسيافنا قسرا
فما زادنا فيها السباء مذلة ... ولا كلفت خبزاً ولا طبخت قدرا
ولكن خلطناهم بحر نسائنا ... فجاءت بهم بيضاً وجوههم زهرا
فكائن ترى فينا من ابن سبية ... إذا لقي الأعداء يطعنها شذرا
ويأخذ رايات الطعان بكفه ... فيوردها بيضاً ويصدرها حمرا
أغر إذا اغبر اللئام كأنه ... إذا ما سرى ليل الدجى قمر بدرا
فقال عبد الملك كالمستحي:
وما شر الثلاثة أم عمرو ... بصاحبك الذي لا تصحبينا
الفصل الرابع في البرذون
بكسر أوله وفتح الذال المعجمة، وهو الذي استوى أبوه وأمه في الخسة، ويقال للأنثى برذونة، ورمكة بالتحريك، قال ابن حبيب: البرذون عظيم الأعضاء. بخلاف العربي، فإنه أضمر وأرق أعضاء، ويوصف بغلظ الرقبة، وكثرة الجلبة، إن أرسلته، قال: أمسكني، وإن أمسكته، قال: أرسلني، ويكنى بأبي الأخطل، لخطل أذنيه، أي استرهائهما. قال السراج الوراق:
لصاحب الأحباس برذونة ... بعيدة العهد عن القرط
إذا رأت خيلاً على مربط ... تقول سبحانك يا معطي
تمشي إلى خلف إذا ما مشت ... كأنما تكتب بالقبطي
وقال آخر:
نجى علاجاً وبشراً كل سلهبة ... واستلحم الموت أصحاب البراذين
وأول من أنتج البراذين، أحد ملوك الفرس، فإنه أنزى الخيل العربية على البقر لقوته أعضائها، وشدة صبرها فأنتجت البراذين. وأول من أنتج البغال أفريدون من ملوكهم أيضاً. وقال المسعودي: "إن أهالي صعيد مصر مما يلي الحبشة، كانوا يعلون الثيران على الأتن، والحمير على البقر وإن بلاد الزنج بقراً يقاتلون عليها، وتجري كالخيل بسروج ولجم".
الفصل الخامس في فضل الذكر على الأنثى
قال تعالى: "وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل" قال ابن عباس رضي الله عنهما: "القوة: الخيل الذكور، وقوله: من رباط الخيل، أي: الإناث. والذكر أشرف من الأنثى لأنه خلق قبلها فهو أشد حرارة منها، وإن كانا من جنس واحد من مزاج واحد". وقد تعلقت الإرادة الإلهية بتقويم أقواهما حرارة أولاً؛ ولذا خلق آدم عليه السلام قبل حواء، ويقال للذكر: حصان - بكسر المهملة - لأنه حصن ماءه فلم ينز إلا على كريمة. وروي عن أنس بن مالك رضي الله عنه: "كان السلف يحبون الفحول من الخيل ويقولون إنها أجرى وأقوى من الأنثى لأن المقصد من اقتناء الخيل القتال عليها". قال عمرو بن السليح:
لقيناهم بجمع من علاف ... وبالخيل الصلادمة الذكور
وقال الأعشى:
وأعددت للخيل أوزارها ... رماحاً طوالاً وخيلاً ذكورا
ومنه يعلم أن الذكر في القتال خير من الأنثى؛ لأنه أجرى وأجرأ يقاتل مع صاحبه. قال دكين بن رجا:
أشم خنديد منيف أشعبه ... يقتحم الفارس لولا قبقبه
الخنديد: العتيق، والمنيف: المشرف، والشعب: ما أشرف منه، والقبقب: اللجام، فهو بخلاف الأنثى، فإنها ربما تكون سبب قتل صاحبها، إذا كانت وديقاً، ورأت الفحل ولو من غير نوعها لشدة شبقها.
وعن أبي محيرز رضي الله عنه: "كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يفضلون ركوب الفحول في الصفوف وسائر أمور الحرب لإرهاب العدو، ويفضلون الخصيان في الكمين والطلائع لأنها أصبر وأقوى في الجهد، ويفضلون الإناث في الغارات والبيات لعدم صهيلها، ودفعها البول وهي تجري، بخلاف الفحل فإنه يحصر البول حتى يتفقأ".
وللإناث من الخيل فضل على كافة ما يقتنى من المال، ففي الحديث: "خير المال مهرة مأمورة وسكة مأبورة". المأمورة: كثيرة النتاج، والمأبورة: النخلة الملقحة. وفيه أيضاً: "عليكم بإناث الخيل فإن ظهورها عز وبطونها كنز" وقيل لبعض الحكماء: أي المال أشرف قال: فرس - تتبعها فرس وفي بطنها فرس، ويقال للأنثى: حجر - بلا هاء -، لعدم مشاركة الذكر لها فيه.
الباب الثالث في ألوانها وفيه خمسة فصول
الفصل الأول في الأشقر
وأنواعه ستة: مذهب وخلوقي ومدمي وأمغر وسلقد وورد، فالأشقر المذهب هو الذي تعلو شقرته صفرة، والخلوقي هو الذي اشتدت شقرته وعلتها صفرة كلون الزعفران، والمدمى هو الذي تعلو شقرته حمرة، لا كالكميت، وأصول شعره كأنها خضبت بالحناء، والأمغر هو الذي ليس بناصع الحمرة ولم تشب شقرته بصفرة. والسلقد هو الصافي الخالص ويسمى قرفي، والورد هو الذي تعلو الحمرة إلى الشقرة الخلوقية، وأصول شعره سود، فإذا كان في ذنب الأشقر بياض يسمونه أشعل، ويتشاءمون منه. قال زيد الخيل في فرسه الورد:
ما زلت أرميهم بشكة فارس ... وبالورد حتى أحرثوه وبلدا
وقال ابن نباتة:
وورد من العرب منسوب ولا قطعت ... أيدي الحوادث من أنسابه شجره
إذا امتطى ظهره، رامي السهام مضى ... والسهم حد، فلولا سبقه عقره
عجبت كيف يسمى سابحاً وله ... وثب لو البحر أرسى دونه ظفره
لما ترفع عن ند يسابقه ... أضحى يسابق في ميدانه نظره
والأشقر الورد، إذا اشتملت شقرته، على شهبته، يقال له أغبر. وقد ورد فيها أحاديث وآثار تدل على فضلها. روي عن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "يمن الخيل في شقرها". وعنه عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم: "خير الخيل الشقر" وعنه قال: "كان صلى الله عليه وسلم، بطريق تبوك، وقد قل الماء، فبعث الخيل في كل جهة يطلبون الماء، فكان أول من طلع بالماء صاحب فرس أشقر، والثاني صاحب فرس أشقر، وكذلك الثالث، فقال صلى الله عليه وسلم: اللهم بارك في الشقر" وعن محمد بن مهاجر قال: "سألت ابن وهب الجشمي لم فضل الأشقر؟ قال: لأن النبي صلى الله عليه وسلم بعث سرية فكان أول من جاء بالفتح صاحب فرس أشقر".
وعن زيد بن صفوان: "كان صلى الله عليه وسلم يحب من الخيل الشقر، وإلا فأدهم أغر محجل، ثلاث طليق اليمنى". وعن عمرو بن الحارث الأنصاري عن أشياخ أهل مصر، قالوا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو أن خيل العرب جمعت في صعيد واحد، ما سبقها إلا أشقر". وحكى ابن النحاس، أن سليمان بن عبد الملك، "سأل يوماً بن نصير فاتح المغرب والأندلس، عن حروب الأمم التي حاربها، ما كنت تفزع إليه عند الحرب؟ قال: الدعاء والصبر، قال: فأي الخيل رأيت أصبر؟ قال: الشقر، قال: فأي الأمم أشد قتالاً؟ قال: هم أكثر من أن أصف، قال:
فأخبرني عن الروم، قال: أسد في حصونهم، عقبان على خيولهم، نساء على مراكبهم، إن رأوا فرصة انتهزوها، وإن رأوا غلبة فأوعال تذهب في الجبال لا يرون الهزيمة عاراً، قال: فالبربر، قال: هم أشبه الأمم بالعرب لقاءً ونجدة وصبراً وفروسية، غير أنهم أغدر الناس، قال: فأهل الأندلس، قال: ملوك مترفون، وفرسان لا يجبنون، قال: فالإفرنج، قال: هناك العدد والجلد والشدة والبأس، قال: فكيف كانت الحرب بينك وبينهم؟ قال: أما هذا فوالله ما هزمت لي راية قط، ولا بدد لي جمع، ولا نكب المسلمون معي، منذ اقتحمت الأربعين إلى أن بلغت الثمانين". وقد أكثر الشعراء من مدح الأشقر فمن ذلك قول ابن خفاجة:
ومشى يتيه بها اختيالاً أجرد ... في شقرة لو سال سال نضارا
تسترقص الأعطاف من طرب به ... شية تدور على العيون عقارا
لو كنت شاهده وقد ملأ الفضا ... ركضاً وسد على الكميّ قفارا
لرأيت فيما قد رأيت وقد بدا ... ناراً تكون إذا جرى إعصارا
يستعطف الأسماع إطراءً له ... في صورة تستعطف الأبصارا
وقال المتنبي:
فأصبح يجتاب المسوح مخافة ... وقد كان يجتاب الدلاص المسردا
تمشي به العكاز في الدير تائباً ... وما كان يرضى مشي أشقر أجردا
وما تاب حتى غادر الكر وجهه ... جريحاً وخلى وجهه النقع أرمدا
وقال آخر:
تذكرت من يبكي عليّ فلم أجد ... سوى السيف والرمح الرديني باكيا
وأشقر خنذيذ يجر عنانه ... إلى الماء لم يترك له الموت ساقيا
وقال إسحاق بن خفاجة:
ومطهم شرق الأديم كأنما ... ألفت معاطفه النجيع خضابا
طرب إذا غنى الحسام ممزق ... ترب العجاجة جيئة وذهابا
قدحت يد الهيجاء منه بارقاً ... متلهباً يزجي القتام سحابا
ورمى الحفاظ به شياطين العدا ... فأنقض في ليل الغبار شهابا
بسام ثغر الحلي تحسب أنه ... كأس أثار بها المزاج حبابا
وقال يمدح القائد أبا الطاهر:
وحن إليه كل ورد محجل ... كأن لجيناً سال منه على تبر
يجول فتجري في عنان، به الصبا ... ويزخر في لبد به البحر في البر
وأشهب وضاح تحمل رقعة ... من الحسن لم تعبر به العين في بسر
تخط سطور الضرب في صدره الظبا ... ويعجمها وخز المثقفة السمر
ويدرج منه السلم ما تنشر الوغى ... فطوراً إلى طي وطوراً إلى نشر
وأدهم لولا أنه راق صورة ... لما عرفته العين من ليلة الهجر
طويل سبيب العرف والفتق والشوى ... قصير عسيب الذيل والظهر والنسر
له غرة تستصحب النصر طلعة ... كفاك بها في صورة الحشر من عشر
وقال الصلاح الصفدي:
يا حسنهُ من أشقر قصرت ... عنه بروق الجو في الركض
لا تستطيع الشمس من جريه ... ترسمه ظلاً على الأرض
الفصل الثاني في الأحمر وهو الكميت
ولفظه يقع على الذكر والأنثى ولا يستعمل إلا مصغراً ولونه بين الحمرة والشقرة، والفرق ما بينه وبين الأشقر بالعرف والذنب والقوائم فإن كانت سوداً فكميت وإلا فأشقر. وأنواع الكميت خمسة: أحوى وأحم، ومدمى وأحمر، ومحلف. فالكميت الأحوى يعلوه سواد، والفرق بينه وبين الأخضر الأحم احمرار مناخره واصفرار خاصرته، وأما الكميت الأحم والكميت الأحوى، فإنهما متشابهان في اللون، حتى أن البصريين بهما يشكان فيهما، فيحلف أحدهما أنه أحوى والآخر أحم. قال أبو منصوراليربوعي:
تسائلني بنو جشم بن بكر ... إغراء العرادة أم بهيم
كميت غير محلفة ولكن ... كلون الصرف عل به الأديم
وفي الحديث "خير الخيل الحو" وعن نافع بن جبير عنه صلى الله عليه وسلم: "اليمن في الخيل في كل أحوى". والكميت الأحم، ما شابه الأحوى، إلا أنه أقل سواداً منه. والمدمي ما اشتدت حمرته وسرته أشد حمرة من سائر جسده. والأحمر أشد حمرة من المدمى، وهو أحسن الكمت لأنه خالص الكمتة، ويقال له كميت مصامص، أي خالص والمصامص والمصمص، شديد تركيب العظام والمفاصل، قال أبو داؤد:
ولقد ذعرت بنات عس ... م المرشفات لها بصابص
بمجوف بلقاً واع ... ني لونه ورد مصامص
يمشي كمشي نعامتي ... ن تتابعان أشق شاخص
والمحلف ما قاربت حمرته إلى الشقرة، وعرفه وذنبه يميلان إلى السواد، روى الشعبي عنه صلى الله عليه وسلم "التمسوا الحوائج على الفرس الكميت، الأرثم المحجل الثلاث المطلق اليد اليمنى"، والرثم: بياض في الشفة العليا. وعن موسى بن علي بن رباح اللخمي عن أبيه قال: "جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني أريد أن أبتاع فرساً؛ وأفند فرساً، فقال: عليك به كميتاً أو أدهم أقرح أرثم محجل ثلاث طليق اليمين". وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أفضل الخيل فقال: "أحمرها وأسرعها وأشقرها وأظفرها أدهمها".
وقال ابن أمية: "سألت الأمير قيساً عن أفضل الخيل، فقال: أحمرها كيف ما كان، وأجودها الأدهم"، وسألت ابن ثعلبة عن أصبر الخيل، فقال: الكميت. وعن مسعود بن خراش قال: "سأل عمر بن الخطاب رضي الله عنه قيس بن زهير العبسي، أي الخيل وجدتموها أصبر في حربكم؟ قال الكميت". وحكى الأسوردي قال: "قالت بنو عبس ما صبر معنا في الحرب من النساء إلا بنات العم ومن الخيل إلا الكمت ومن الإبل إلا الحمر". وقال أبو داؤد الإيادي:
إن لم تلطني بهم حقاً أتيتكم ... حوّاً وكمتاً تعادي كالسراجين
من كل جرداء قد طارت عقيقتها ... وكل أجرد مسترخى الأباذين
وقال امرؤ القيس:
كميت يزل اللبد عن حال متنه ... كما زلت الصفواء بالمتنزل
وقال عمر بن أبي ربيعة المخزومي:
تشكى الكميت الجريَ لما جهدته ... وبين لو يسطع أن يتكلما
لذلك أدني دون خيلي مكانه ... وأوصي به ألا يهان ويكرما
فقلت له إن ألقَ للعين قرةً ... فهان عليَّ أن تكل وتسأما
عدمت إذن وفري وفارقت مهجتي ... لئن لم أقل قرناً إن الله سلما
ومن لطائف ابن نباتة قوله:
يا واصف الخيل بالكميت وبالنه ... د أرحني من طول وسواس
لا نهد إلا من صدر غانية ... ولا كميت إلا من الكاس
فأخذه فخر الدين بن مكانس فقال:
وإذا ذكرت الخيل في الميدان ... فاشرب كميتاً واعلُ فوق نهود
وقال آخر:
وأحمر كالديباج أما سماؤه ... فرياً وأما أرضه فمحول
وقال عبد السلام بن غياث المعروف بديك الجن:
أحمر كالخضاب في صفح هادي ... ه من الهاديات مثل الخضاب
وكأني أرمي به الهضاب على حي ... ن وناه بقطعة من هضاب
وكأني رفعت بالبرق شمًلا=لي ولما أضأتها بعقاب وقال ابن تميم في مهرة حمراء:
أهديت لي يا مالكي مهرة ... جميلة الخلق بوجه جميل
مؤخرها والعنق قد أوقعا ... قلب الأعادي في العريض الطويل
قد لبست من شفق حلة ... تخبرنا أن أباها أصيل.
الفصل الثالث في الأدهم
وأنواعه خمسة: أدهم حالك وأحوى وأحم وأصدى وأخضر. فالأدهم الحالك أشد هذه الأنواع سواداً وأصفاها. والأحوى ما علا سواده حمرة. والأحم ما شابه الأحوى، إلا أنه أقل حمرة، والأصدى ما خالط سواده شقرة، والأخضر ما خالط سواده غبرة.
روي عن يزيد بن حبيب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الخير في الأدهم الأقرح الأرثم محجل الثلاث طلق اليمنى" (القرحة في وجه الفرس بياض دون الغرة). وعن عتبة عنه صلى الله عليه وسلم: "إذا أردت أن تغزو فاشتر فرساً أدهم محجل الثلاث مطلق اليمنى، فإنك تغنم وتسلم، فإن لم يكن أدهم فكميتاً على هذه الشية" أي على هذه الصفة. وعن أبي قتادة الأنصاري عنه صلى الله عليه وسلم: "خير الخيل الأدهم الأقرح الأرثم ثم الأقرح المحجل طلق اليمين فإن لم يكن أدهم فكميتاً على هذه الشية" وعن أبي وهب الجشمي عنه صلى الله عليه وسلم "تسموا بأسماء الأنبياء، وأحب الأسماء إلى الله عبد الله وعبد الرحمن وأصدقها حارث وهمام وأقبحها حرب ومرة، واربطوا الخيل، وامسحوا بنواصيها وأكفالها، وعليكم بكل كميت أغر محجل، أو أشقر أغر محجل، أو أدهم أغر محجل"، وذكر الخيل عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "خضرها أحبلها، وكمتها ديباجها وشقرها حيادها اللهم بارك في الأخضر اللهم بارك في الأشقر".
وحكى ابن بسام في الذخيرة: كان للمتوكل ابن الأفطس الأندلسي فرس أدهم محجل، على كفله ست نقط بيض، فندب الشعراء لوصفه فقال أبو الوليد البجلي ارتجالاً:
ركب البدر جواداً سابحاً ... تقف الريح لأدنى مهله
لبس الليل قميصاً سابغاً ... والثريا نقط في كفله
وغدير الصبح قد خيض به ... فبدا تحجيله من بلله
كل مطلوب وإن طالت به ... رجله من أجله في أجله
وقال ابن اللبانة فيه:
لله طرف جال يا ابن محمد ... فجنت به حوباؤه التأميلا
لما رأى أن الظلام أديمه ... أهدى لأربعه الهدى تحجيلا
وكأنما في الردف منه مباسم ... تبغي هناك لرجله تقبيلا
وقال ابن نباتة:
وأدهم اللون حندسي ... في جريه للورى عجائب
تقصر سعي الرياح عنه ... فكلها خلفه جنائب
وقال الصفي الحلي:
ولقد أروح إلى القنيص وأغتدي ... في متن أدهم كالظلام محجل
رام الصباح من الدجى استنقاذه ... حسداً فلم يظفر بغير الأرجل
فكأنه صبغ الشباب إهابه ... وخط المشيب فجاءه من أسفل
وقال الطاهر الجزولي:
وأدهم كالليل البهيم مطهم ... فقد عز من يعلو بساحة عرفه
يفوت هبوب الريح سبقاً إذا جرى ... تراهن رجليه مواقع طرفه
وقال غيره:
قد سابق الطرف بطرف سابق ... كأنه يريد إدراك القدر
دهمته تبدي سواداً حالكاً ... كأنها ليل إذا الليل اعتكر
صهيله يطرب من يسمعه ... كأنه رعد إذا الرعد زجر
أو سابق الريح جرى من قبلها ... والبرق لا يسبقه إذا ظهر
وقال ابن خفاجة:
وأدهم نم آل الوجيه ولاحق ... له الليل لون والصباح حجول
ترقرق ماء الحسن فوق أديمه ... فلولا التهاب الخصر ظل يسيل
كأن هلال الفطر لاح بوجهه ... فأعيننا شوقاً إليه تميل
كأن الرياح العاصفات تقله ... إذا ابتل منه مخرم وتليل
إذا عابد الرحمن في متنه علا ... بدا الزهو في العطفين منه يجول
فمن رام تشبيهاً له قال موجزاً ... وإن كان وصف الحسن منه يطول
هو الفلك الدوار في صهواته ... لبدر الدياجي مطلع وأفول
وامتدح ابن دنينير اللخمي القابوس الملك المنصور مستمنحاً منه فرساً بقوله:
ملك الورى دعوة مني على مضض ... من الزمان الذي أخنى بلا سبب
أودى تلادي وولى بعده تبعاً ... حتى طريفي وما جمعت من نشب
وكان قد غفلت عني حوادثه ... في بغلة كنت أقضي فوقها أربي
حتى ألم بها منه الردى فغدا ... قلبي قتيل الأسى والهم والنصب
ولم أجد سبباً يجني الزمان به ... على ذوي الفضل إلا حرفة الأدب
فاكبت عداي بأخرى مثلها فلقد ... قصرت عن كل ما أهوى من التعب
أولا فأدهم تفري الليل غرته ... نهد القصير شديد العظم والعصب
سامي التليل عريض المتن مرتفع ... عالي النواهق وافي الرسغ والذنب
صافي الأديم كأن البرق غرته ... رحب اللبان أشم الأنف والقصب
كاس من الليل بالظلماء ملتحف ... لكنما زانه التحجيل بالحبب
هقل إذا ما تولى مدبراً فإذا ... أتى فظبي كناس ريع من كثب
يكاد يسبق لحظ العين كيف جرى ... فما يدانيه مر الريح في الخبب
ولو يباريه زاد الركب عن عرض ... في حلبة لكبا منه على الركب
فذاك بغية مثلي من نداك وأن ... أعود من جودكم بالمنظر العجب
وقال أبو سعيد المغربي:
ولما اغتدى والليل قد سل صبحه ... بليل بجلباب الصباح تلثما
وأحسبه خال الثريا لجامه ... فصير هاديه إلى الأفق سلما
وقال جمال الدين يوسف بن الحسن:
وأدهم اللون فاق البرق وانتظره ... فغارت الريح حتى غيبت أثره
فواضع رجله حيث انتهت يده ... وواضع يده أنى رمى بصره
إذن تراه يحاكي السهم منطلقاً ... وما له غرض مستوقف خبره
يعفر الوحش في البيداء فارسه ... وينثني وادعاً إن يستتر غبره
وقال أبو سويد شهد أبو دلف وقعة وتحته فرس أدهم عليه نضخ الدم فاستوقفه بعض الشعراء وأنشد:
كم ذا تجرعه المنون ويسلم ... لو يستطيع شكا إليك الأدهم
في كل منبت شعرة من جلده ... خط ينمقه الحسام المخدم
وكأنما عقد النجوم بطرفه ... وكأنما هو بالمجرة ملجم
وكأنه بين البوارق لقوةٌ ... شفواء كاسرة طوت ما تطعم
لا تدرك الأرياح أدنى شأوه ... لا بل يفوت الريح فهو مقدم
رجعته أطراف الأسنة أشقراً ... واللون أدهم حين ضرجه الدم
فأمر له بعشرة آلاف درهم. وقال أبو إسحاق إبراهيم بن خفاجة الأندلسي:
تقبل المهر من أخي ثقة ... أرسل ريحاً به إلى المطر
مشتملاً بالظلام من شية ... لم يشتمل ليلها على سحر
منتسباً لونه وغرته ... إلى سواد الفؤاد والبصر
تحسبه من علاك مسترقاً ... بهجة مرأى وحسن مختبر
حن إلى راحة تفيض ندى ... فمال ظل به على نهر
ترى به والنشاط يلهبه ... ما شئت من فحمة ومن شرر
لو حمل الليل حسن دهمته ... أمتع طرف المحب بالسهر
أحمى من النجم يوم معركة ... ظهراً وأجرى به من القدر
اسود وابيض فعله كرماً ... فالتفت الحسن فيه عن حور
كأنه والنفوس تعشقه ... مركب من محاسن الصور
فازدد سنا بهجة بدهمته ... فالليل أذكى لغرة القمر
ومثل شكري على تقبله ... بجمع بين النسيم والزهر
وقال لما استرجعت بلنسية من يد العدو:
من عسكر رجفت أرض العدو به ... حتى كأن بها من وطئه وهلا
ما بين ريح طراد سميت فرساً ... جوراً وليث شرى يدعونه بطلا
من أدهم أخضر الجلباب تحسبه ... قد استعار رداء الليل واشتملا
وأشهب ناصع القرطاس مؤتلق ... كأنما خاض ماء الصبح فاغتسلا
ترى به ماء نصل السيف منسكباً ... يجري وجاحم نار البأس مشتعلا
فغادر الطعن أجفان الجراح به ... رمداً وصير أطراف القنا فتلا
وأشرق الدم في خد الثرى خجلا ... وأظلم النقع في جفن الوغى كحلا
وأقشع الكفر قسراً عن بلنسية ... فانجاب عنها حجاب كان منسدلا
وقال ابن هاني:
من كل يعبوب سبوح سلهب ... نقش سياط عنانه الطيار
سلط السنابك باللجين مخدم ... وأذيب منه على الأديم نضار
وكأن وفرته غدائر غادة ... لم يلق بؤس لا ولا إقتار
وأحم حلكوك وأصفر فاقع ... منها وأشهب أمهق زهار
ومنها:
مرت لغايتها فلا والله ما ... علقت بها في عدوها الأبصار
وجرت فقلت أسابح أم طائر ... هلا استثار لوقعهن غبار
من آل أعوج والصريح وداحس ... فيهن منها ميسر ونجار
الفصل الرابع في الأشهب
وأنواعه خمسة: قرطاسي صريح، وصنابي، ورمادي، وأبرش وأبلق، فالقرطاسي ما كان الغالب عليه البياض ويسمى أضحى. والصنابي ما كان الغالب عليه الحمرة. والرمادي ما كان الغالب عليه غبرة فيها كدرة. والأبرش ما كان فيه نكت بيض. فإذا عظمت سموه أبلق ومدنراً. والأبلق إن عم البياض جميع جسده وخلص رأسه وهاديه يقال له أدرع. وإن كان تلويع سواد وبياض يقال له ملوع، وإن كان مبيض الرأس والذنب يقال له مطرف.
روي أن مجد الدين أخا صلاح الدين الشهير رأى بعض مماليكه على فرس أشهب فقال:
أقبل من أعشقه راكباً ... من جانب الغرب على أشهب
فقلت سبحانك يا ذا العلا ... أشرقت الشمس من المغرب
وقال ابن خفاجة:
شددت على القوافي كف حر ... كريم لا يسوغها لئيما
فما أطرى إذا أطريت إلاّ ... حمياً أو حبيباً أو حميما
ومطرود أجرده صقيلا ... ويعبوبا أركبه كريما
إذا أقبلته سمر العوالي ... فلست أرده إلاّ كليما
وقد ألف العدو وكان ريحاً ... على شرف تلف به هشيما
يشيم به وراء النقع برقاً ... تألق شهبة وصفاً أديما
إذا أوطأته أعقاب ليل=طردت من الظلام به ظليما وقال يخاطب الوزير أبا محمد بن عامر:
ومقام بأس في الكريهة قمته ... فسبحت في بحر الحديد الأخضر
أضحكن ثغر النصر فيه من العدا ... ولربما أبكيت عين السمهري
ورميت هبوته بلبة أشهب ... فسفرت ليلاً عن صباح مسفر
يجري فتحسبه انصباباً كوكباً ... ينقض في غبش العجاج الأكبر
أوردته نطف الأسنة أشهباً ... ونزلت منه ظافراً عن أشقر
وقال في الأبلق:
ولم أرمِ آمالي بأزرق صائب ... وأبيض بسام وأسمر أصلعا
وأبلق خوار العنان مطهم ... طويل الشوى والساق أطول أتلعا
جرى وجرى البرق اليماني عشية ... فأبطأ عنه البرق عجزاً وأسرعا
كأن سحاباً أسحماً تحت لبده ... يضاحك عن برق سرى فتصدعا
وحسب الأعادي منه أن يزجروا به ... مغيراً غراباً صبح الحي أبقعا
كأن على عطفيه من خلع السرى ... قميص ظلام بالصباح تبرقعا
ركضت به بحراً تدفع مائحاً ... وأقبلت أم الرآل نكباء زعزعا
يؤلل من أذن فأذن تشوقاً ... إلى صرخة من هاتف أو تطلعا
كأن له من عامل الرمح هادياً ... منيفاً ومن زلق الأسنة مسمعا
فسكنت منه بالتغني على السرى ... أمسح من أعطافه فتسمعا
ولما انتحى ذكر الأمير استخفه ... فخفض من لحن الصهيل ورفعا
حنيناً إلى الملك الأغر مردداً ... وشجواً على المسرى القصي مرجعا
ففي حب إبراهيم أعرب صاهلاً ... وفي نصر إبراهيم كد تشيعا
وقال أبو تمام يمدح الحسن بن وهب من قصيدة:
ما مقربٌ يختال في أشطانه ... ملآن من صلف به وتلهوق
بحوافر حفر وصلب صلب ... وأشاعر شعر وخلق أخلق
وبشعلة تبدو كأن حلولها ... في صهوتيه بدء شيب المفرق
ذو أولقٍ تحت العجاج كأنما ... من صحة إفراط ذاك الأولق
تغرى العيون به ويفلق شاعر ... في نعته عفواً وليس بمفلق
بمصعد من حسنه ومصوب ... ومجمع في نعته ومفرق
صلتان يبسط إن ردى أو إن عدا ... في الأرض باعاً منه ليس بضيق
وتطرق الغلواء منه إذا عدا ... والكبرياء له بغير مطرق
أهدى كثار جده فيما مضى ... للمثل واستصفى أباه ليلبق
مسود شطر مثل ما اسود الدجى ... مبيض شطر كابيضاض المهرق
قد سالت الأوضاح سيل قرارة ... فيه بمفترق عليه وملتقي
فكأن فارسه يصرف إذ غدا ... في متنه ابناً للصباح الأبلق
صافي الأديم كأنما ألبسته ... من سندس برداً ومن إستبرق
إمليسة إمليده لو علقت ... في صهوتيه العين لم تتعلق
يرقى وما هو بالسليم ويغتدي ... دون السلاح سلاح أروع مملق
في مطلب أو مهرب أو رغبة ... أو رهبة أو موكب أو فيلق
وعن جابر بن عبد الله عنه صلى الله عليه وسلم: "أوتيت بمقاليد الدنيا على فرس أبلق عليه قطيفة من سندس". وروى السماك عن عكرمة قال: "لما كان شأن بني قريظة، جاء جبريل على فرس أبلق، قالت عائشة: فلكأني أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح الغبار عن وجه جبريل، فقلت: هذا دحية يا رسول الله؛ فقال: هذا جبريل. وكانت الملائكة يوم بدر على خيل بلق وقدم أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب مكة وجلس مع عمه أبي لهب والناس قيام عليه وهو يخبرهم عن وقعة بدر فكان من قوله وايم الله ما لمت الناس أي في فعلهم، لقينا رجالاً بيضاً على خيل بلق، بين السماء والأرض لا يقوم لها شيء".
الفصل الخامس في الأصفر
وأنواعه ستة: أصفر فاقع، وناصع، وأصدى، وأبيض، وأعفر، وأكلف، فالفاقع ما شاكلت صفرته الحمرة من شدة الاصفرار، وشعر عرفه وذنبه أسود حالك، ومن معرفته إلى ذنبه خط أسود، وأوظفته سود، وهذا أحسن ألوان الأصفر. والناصع ما كانت صفرته صافية وشعر عرفه وذنبه أسود حالكاً، والأصدى ما علت صفرته كدرة، والأبيض الذي تضرب صفرته إلى البياض، وشعر عرفه وذنبه أصهب، وهو أشر ألوان الصفر. والأعفر ما كانت صفرته كلون التراب. والأكلف ما كانت صفرته مشوبة بسواد ومن معرفته إلى ذنبه خط أسود، وأوظفته سود، قال ابن دنينير اللخمي يمدح الأمير أسد الدين:
كان لي من ندى أياديك طرف ... مستجاد وبغلة وغلام
خانني الدهر في الجميع فشأني ... عبرات حرى ودمع سجام
فاكبت الحاسدين منك بطرف ... بمطاه سرج وفيه لجام
يسبق البرق إن جرى يدرك الغا ... ية ليست تفوته الأوهام
أذناه مثل القناتين عالي ال ... متن رحب الإهاب فيه اضطرام
لونه كالنضار أو كمحبٍّ ... قد يراه الهوى وشف السقام
وبريء مما يشين فلا الأخ ... طاف فيه وليس فيه انهضام
شاهد لي فيما أحدق من نع ... ماك عدل إذ رآه الأنام
وإذا ما أكرمت فاكرم فتنى يز=كولديه الإحسان والإكرام وقال أبو سعيد المغربي:
وعسجدي اللون أعددته ... لساعة تظلم أنوارها
كأنه من رهج شمعة ... مصفرة كالتبر أنوارها
وقال علي بن موسى بن سعيد العنسي:
وأجرد تبري به أثرت الثرى ... والفجر في خصر الظلام وشاح
له لون ذي عشق وحسن معشق ... لذلك فيه ذلة ومراح
عجبت له وهو الأصيل بعرفه ... ظلام وبين الناظرين صباح
يقيد طير اللحظ والوحش عندما ... يطير به عند النجاح جناح
وقال ابن المعتز:
ولقد وطئت الخيل يحملني ... طرف كلون الصبح حين وفد
جماع أطراف الصوار فما ال ... أخرى عليه إذا جرى بأشد
يمشي فيعرض بالعنان كما ... صدف المعشق ذو الدلال وشد
فكأنه موجٌ يذوب إذا ... أطلقته فإذا حبست جمد
والعرب تكره من ألوان الخيل الأبلق بأنواعه والأبيض والأصفر والأشهب الذي تعلوه حمرة، وداخل حجافله ولهواته وخارج لحييه سواد، والأدهم الذي بداخل حجافله أو لهواته نقط بيض، وبداخل شدقيه نقط سود، وعلى خارج حجفلته نقط كحب السمسم، والصنابي المبقع، والرمادي اللون وما كان منها كلون الأسد والذئب، أو القرد أو الفيل.
فائدة: إذا نتف شعر الفرس أو سخن الماء شديداً بحيث يحلق شعره، وصب عليه ، نبت له شعر آخر مخالف للونه الأصلي قال الشعر:
تبارى قرحة مثل الوتيرة لم تكن مغدا
المغد: - بالغين المعجمة - غرة الفرس، أي: أن غرتها أصلية لم تحدث عن علاج. ومما يصير الأشهب أدهم، أن يؤخذ مردانج وعفص وزنجار ونورة وزاج الأساكفة وطين خودي بالسوية، ويدق الجميع ويعجن بماء حار، ثم يغسل به الفرس غسلاً جيداً، ويطلى به ويترك يوماً وليلة، ثم يغسل فيصير لونه أدهم، وإن طلي بعض جسده بذلك وترك بعضه يصير لونه أبلق. ومما يصير الأدهم أبرش، إذا طبخ الأشنان مع ورق الدفلى وصفي ماؤه ثم طبخ مع القلي وقلب جوز سائل، وغسل به، تغير لونه. ومما يصير الأشهب أدهماً، أن يؤخذ من قشر الجوز الرطب ويطبخ مع الآس، وصدأ الحديد، ويطلى به الفرس بعد الغسل الجيد.
تتمة في ذكر بعض ما قاله الأدباء في أوصافها من التشبيهات والاستعارات البديعة في رسائلهم
فمن ذلك قول الشيخ شهاب الدين محمود: ينهي وصول ما أنعم به من الخيل التي وجد الخير في نواصيها، واعتد صهواتها حصوناً يعتصم في الوغى بصياصيها، "فمن أشهب غطاه النهار بحلته، وأوطأه الليل على أهلته، يتموج أديمه ريا، ويتأرج ريا، ويقول من استقبله في حلي لجامه هذا الفجر قد طلع بالثريا، إن التقت المضايق انساب انسياب الأيم. وإن انفرجت المسالك مر مرور الغيم، كما أبصر فارسه يوماً أبيض بطلعته، وكم عاين السنان مقاتل العدا في ظلام النقع بنور أشعته لا يسير ذو حسن في مضماره، ولا تطمع الغبراء في شق غباره، ولا يظفر لاحق من لحاقه بسوى آثاره، تسابق يداه مرامي طرفه، ويدرك شوارد ثانياً من عطفه* ومن أدهم حالك الأديم، حالي الشكيم له مقلة غانية وسالفة ديم، قد ألبسه الليل برده، فأطلع بين عينيه سعده، يظن من نظر إلى سواد طرته، وبياض حجوله وغرته، أنه خال النهار نهراً فخاضه، فألقى بين عينيه نقطة من رشاش تلك المخاضة، لين الأعطاف، سريع الانعطاف، يقبل كالليل، ويمر كجلمود صخر حطه السيل، يكاد يسبق ظله، ومتى جارى السهم إلى غرضه بلغه قبله، ومن أشقر وشاه الغدو بلهبه، وغشاه الأصيل بذهبه، يتوجس لديه برقيقتين، وينفض وقرتيه على عقيقتين، وينزل عذار لجامه بين سالفتيه على شقيقتين، له من الراح لونها، ومن الريح لينها، إن أجري فبرق خفق، وإن أسرج فهلال على شفق، لو أدرك أوائل حرب بني وائل لم يكن للوجيه وجاهة، ولا للنعامة نباهة، ولكان ترك إعارة سكاب لؤماً وتحريم بيعها سفاهة، يركض ما وجد أرضاً، وإذا اعترض به راكبه بحراً وثبه عرضاً، ومن كميت نهد، كان راكبه مهد، عندمي الإهاب، شمالي الذهاب، يزل الغلام الخفيف عن صهواته، كأنه نغم القريض أو معبد في لهواته، فسيح الخطا، قصير المطا، إن ركب للصيد قيد الأوابد، وأعجل عن الوثوب الوحوش اللوابد، وإن جنب إلى حرب لم يزور من وقع القنا بلبانه، ولم يشك لو علم الكلام بلسانه، ولم ير دون بلوغ الغاية وهي غرض راكبه ثانياً من عنانه، وإن سار في سهل اختال براكبه كالثمل، وإن أصعد في جبل طار في عقابه كالعقاب وانحط في مجريه كالوعل، متى ما ترق العين فيه تسهل، ومتى أراد البرق مجاراته قال له الوقوف عند قدره ما أنت هناك فيهمل، ومن حبشي أصفر يروق العين ويشوق القلب لمشابهته العين، كأن الشمس ألقت عليه من أشعتها جلالاً، وكأن نفر من الدجى فاعتنق منه عرفاً واعتلق حجالاً، ذو كفل زين سرجه، وذيل يسد إذا استدبر فرجه، قد أطلعته الرياضة على مراد فارسه وأغنته نضارة لونه ونظارته عن ترصيع قلائده، وتوشيح ملابسه، له من البرق خفة وطئه وخطفه، ومن النسيم لين مروره ولطفه، ومن الريح هزيزها إذا ما جرى شأوين وابتل عطفه يطير باللمز، ويدرك بالرياضة مواقع الرمز، ويعدو كألف الوصل في استغناء مثلها عن الهمز، ومن أخضر حكى من الروض تفويفه، ومن الوشي تقسيمه وتأليفه، قد كساه النهار والليل حلتي وقار وسنا، واجتمع فيه من البياض والسواد ضدان لما اجتمعا حسناً، ومنحه الباري حلية وشية، ونحلته الرباح ونسماتها قوة ركضه وخفة مشيه، يعطيك أفانين الجري قبل سؤاله، ولما لم يسابقه شيء من الخيل أغراه حب الظفر بمسابقة خياله، كأنه تفاريق شيب في سواد عذار أو طوالع فجر خالط بياضه الدجى فما سجى، ومازج ظلامه النهار فما أنار يختال لمشاركة اسم الجري بينه وبين الماء في السير كالسيل، ويدل بسبقه على المعنى المشترك بين البروق اللوامع وبين البرقية من الخيل، ويكذب المانوية لتولد اليمن بين إضارة النهار وظلمة الليل، ومن أبلق ظهره حرم وجريه ضرم إن قصد غاية، فوجود الفضاء بينه وبينها عدم، وإن صرف في حرب فعمله ما يشاء البنان والعنان، وفعله ما يرد الكف والقدم قد طابق الحسن بين ضدي لونه، ودل على اجتماع النقيضين علة كونه، وأشبه زمن الربيع باعتدال الليل فيه والنهار، وأخذ وصف الدجى في حالتي الإبدار والسرار لا تكل مناكبه، ولا يضل في حجرات الجيوش راكبه، ولا يحتاج ليله المشرق بمجاورة نهاره إلى أن تسترشد فيه كواكبه، ولا يجاريه الخيال فضلاً عن الخيل ولا يمل السرى إذا كل مشبهاه النهار والليل، ولا تتمسك البروق اللوامع من لحاقه بسوى الأثر فإن جهدت، فبالذيل فهو الأبلق الفرد، والجواد الذي لمجاريه العكس، وله الطرد قد أغنته شهرة لونه في جنسه عن الأوصاف، وعدل بالرياح عن مباراته سلوكها في الاعتراف له جادة الإنصاف، وترقى المملوك إلى رتب العز من ظهورها وأعدها مطية الجنان إذ الجهاد عليها من أنفس مهورها، وكلف بركوبها فكلما أكمله عاد، وكلما مله سره، فلو أنه زيد الخيل لما زاد، ورأى من آدابها ما دل على أنها من أكرم الأصائل وعلم أنها ليومي سلمه وحربه، جنة الصائد، وجنة الصائل، وقابل إحسان مهديها بثنائه ودعائه، وأعدها في الجهاد لمقارعة أعداء الله وأعدائه. والله تعالى نشكر بره الذي أفرده في الندى بمذاهبه وجعل الصافنات الجياد من بعض مواهبه".
وقال الشيخ جمال الدين محمد بن نباتة: "وأما الخيل المسيرة فقد وجد المملوك لذة أنسها، وأوجب على نفسه فروض خمسها، واستنهض لشكر محاسنها براعته فسعت ولكن على رأسها، واستنزلت الآمال من صياصها، وقبلها عوض أنامله الشريفة لأنها عددها، وما هي إلاّ زهرات أنبتها سحاب كفه الكريمة، وعقود طوق بها جيد العبد فسبح بمدامع نعمها العميمة، ومنابر قام عليها خطيباً بمحاسنه التي من كتمها فكأنما كتم من المسك لطيمه، فمن أشهب كأنه طلعة لجج أو قطعة صبح أو غرة يغرب بأشعته إبدار جنح قد تزينت منه الأوضاع، وانقطعت دون غايته الأطماع، واعتذرت له الريح فصوب أذنيه للسماع، وأصبح لصاحبه نعم العون في السبق، والفوت يوم القراع، وكاد أن يطير مع الطيور، فكم له من غبار السبق أجنحة مثنى وثلاث ورباع، ما حدث عن حسن إلاّ رآه، ولا امتطاه حازم إلاّ حمد عند صباح لونه سراه، يقرب الضرب سفرات عزائمه المسفرة، ويختال في الخيل كالنهار، فلا جرم أن آيته مبصرة، كم ثنى عنانه كبراً عن مسابقة الرياح وأعرض، وكم تعب عليه عازم حتى فاز منه بالعيش إلاّ أنه الأبيض، ومن أشقر كأنه غزالة شرق فسيح اللبان، رقيق مجرى العنان بروق الأبصار ويدني الأوطان والأوطار، وتسمع بوقع حوافره صم الأحجار، يضعف البصر عن اقتناء ماله من السنن، ويعجز عن بلوغ غايته السيل إذا هجم الغيث أو هتن، وتعجز عن شأوه الرياح، فعن عذر إذا حثت في وجهها التراب فكأنما أصعد لأشعته النجوم فكسبها، أو راهن البرق على حلته فسلبها ولبسها. قرنت حركاته بحسن الاتفاق وحكمته في تطلعها الشموس عند الإشراق، فامتدت كف الثريا تمسح عن وجهه غبار السباق.
ومن كميت يسر الناظر ويشوق الخاطر، كأنه جذوة نار أو كأس عقار أحلى من الضرب، له من نفسه طرب، كم خدمه من النصر أعوان، وأسكره اسمه، فاختال تحت راكبه كالنشوان، وزاد لونه حتى كأنما هو بهرام، وأجله أن أقول بهرام، سريع شوطه وأضيع ما في عدته سوطه، يجمع لراكبه ما بين الطرب والجلالة، وتحتجب الشمس إذا تصدى للصيد خوفاً من تسميتها بالغزالة، كم أرعد بصهيله وأبرق وكم لقي من الموت الأحمر العدو الأزرق، تقصر عن غاياته الهمم، واسود ذنبه فكأنما لذوب نار جسمه حمم، يوسع أهل الحي سيراً، ويقد بخنجر نعله أديم الأرض سيراً، ومن أصفر يسر النظار ويسمو على النضار، وربما شق سعيه على الأبصار، ويخفق البرق وراءه في المضمار، كم أوسع رمقه في ليل السرى من سهر، وكم نقش بنعله ظهر جبل، فجاء كما قيل نقش على حجر، يطلع بسماء الطلب أهلة هو عيدها، وإذا امتطاه عازم رأى الأرض تطوي له ويدنو بعيدها، كم حسن خبراً وخبراً وتأثيراً وأثراً، وكم غشي إلى نار سنابكه طارق فأجزل له من قصده القرى، كأنما خلع عليه الدهر حلة ذهب، ووهبته صفرة لونها الراح حين تجلى بالحبب، لو أمكن أول الفجر لما سما في زمنه بالسرحان، ولو كتب اسمه على مقدمة طليعة، قرنها باليمن والأمان.
ومن أدهم كأنما التحف أو دخل تحت ذيل الدجى تخضع عواصي الذرى لطرته وينشق الصباح غيظاً من تحجيله وغرته، كأنما لطمت يد الفجر في إحسائه، وورد عين المجرة فطارت لجبهته نقطة من مائه، فسيح المنتشق، متدرع ملابس القلوب والحدق، كم عنت شوامخ الجبال لجلاله، وقصرت عنه الخيل حتى لم يسابق إلاّ ظل إدباره وإقباله، وخاف سطوته الليل، فجاءه بمثل أنجمه وأنعله بمثل هلاله، ويأتي من صباح تحجيله وليل تكوينه بالعجائب، فكلها من خلفه جنائب". ولا برح سيدنا يجيد في القول ويجود في العمل ويتطول من حفي كرمه ومفيد كلمه، بما لا ترتقي إليه همة الأمل.
وقال المقر الفتحي ابن الشهيد: "وصل الجواد الأدهم من الخيل كأنما ألبسه الليل حلة سابغة الكم والذيل وفهم المملوك من نعته حالك السواد، أن الأمر العالي اقتضى أن المملوك يكتم هذا الإحسان في سواد الفؤاد ويستره عن الحساد، كما ستر الليل على الرقباء اجتماع أهل الوداد، فتسلمه المملوك كما تسلمت الجفون طيف الحبيب، وأسر السرور به، لما علم من صدقة السر التي أخفتها اليد الكريمة عن الرقيب. ولا يعزب عن الله تعالى مثقال ذرة فيها ولا يغيب، واتخذ المملوك ظهر الجواد حرزاً، لأنه من الهياكل، وتصيد بعنانه عزّاً، لأن الأعنة لصيد العز حبائل، وجعله ذخيرة وعزاً لأنه أدهم لا يندم صاحبه، إن نابت النوائب، أو غالت الغوائل وصل، والظهر قد أعوز والسفر قد أحفل، فجلت دهمته الغمة، وجاءت باليد البيضاء فكذبت القائلين: لا خير في الظلمة، فرأيت منها بياض العطايا في سواد المطالب، وركبت على سرجه المحلى بالذهب، فما حرت في ليل إهابه، إلاّ اهتديت من تلك الحلي بأنوار الكواكب وقرت به عيني كأنما حل من سوادي واستوطأت ظهره في السرى فنمت لما طرق كأنه يريد رقادي".
وقال المستنصر بالله الأندلسي: "انظر إليه سليم الأديم، كريم القديم، كأنما نشأ بين الغبراء والنجوم؛ نجم إذا بدا، ووهم إذا عدا، يستقبل بغزال، ويستدبر برئبال، ويتحلى بشيات تقسيمات الجمال"، وقال يصف سرجاً: "بزة جياد، وركب أجواد، جميل الظاهر، رحيب بين القادمة والآخر، كأنما قدود الخدود أديمه، واختص بإتقان الحبك تقويمه", وقال يصف لجاماً: "متناسب الأشلاء، صريح الانتماء إلى ثريا السماء، فكله نكال وسائره جمال". وقال ابن حبيب الحلبي: "وفد عليّ يوماً ذو الوك يدعوني إلى حضرة بعض الملوك فلبيت مناديه، ويممت في الحال ناديه، فرحب بي على عادته، وقرب مجلسي من وسادته، ثم قال لي: عرض لي أن أعرض العتاق وأتبعها بالنجائب من النياق، فأحببت حضورك، وقصدت نزهتك وسرورك، فشكرت فيض فضله، ودعوت بتوفير خيله ورجله، فما استتم المقال، إلاّ والجنائب تقاد بأيدي الرجال، فمن أشهب يقق إن طلب لخق، وإن طلب سبق، طرف يحار الطرف في حسنه، ويرى الناظر شخصه في مرآة متنه، بعيد المنار والمنال، طلعته الفجر وسرجه الهلال، لا يخطر معه الخطار ولا تعلق له الغبراء بغبار، يهتدي فارسه من حافره بسنا السنابك، ويغتدي عند امتطاء صهوته من الذين ينظرون على الأرائك، ومن أدهم غريب لا يعلم أجنوب هو أم جنيب يسبق السيل في السير، معقود بناصيته الخير، ينساب كالثعبان وينعطف انعطاف السرحان، زاد على زاد الراكب، وزاحم النكباء بالمناكب، يسلب العقول بحسن وسبعه وتليله، ويخطف الأبصار برق غرته وتحجيله، ومن أشقر خلوقي الجلباب، ألبسه الأصيل حلة تفتن الألباب، الراح تحكيه في لباسه، والرياح لا تقدم على مجاراته لباسه، متقلد بالذهب متقلب في اللهب، يشفق من مناظرته الشفق، ويسرق من لون شعره السرق، ينقص الزائد لديه، ويفوت أعوج ثم يعود متهكماً عليه، ومن كميت طاب عرفه واسود ذنبه وعرفه، أسيل الخدين بارز النهدين عندمي اللباس، يحول بين الظباء والكناس، إن وثب ألحق العنان بالعنان، وإن وقف عاينت في كل عضو وردة كالدهان، يجد السير في حزن الفلاة وسهلها ويرد الوديعة محمولة إلى أهلها، ومن أصفر لونه فاقع كم له في الحلبة من طائر خلفه واقع ينتمي إلى الحبشان، ويعير بلونه الزعفران، الدجى على عرفه قابض، وماء القار على ذيله فائض، يتجلى في الرياض الشمسية، ويسبح في الجداول الورسية، لا يمل من التقريب والإلهاب، ويأتي من عدوه بغرائب يشيب منها الغراب، ومن أخضر حسن وشياً وراق للعيون جرياً ومشياً، زرزوري الإهاب يجمع بين الشيب والشباب، زبرجدي الحافر، أين منه الغزال النافر، يظهر عجز مكتوم، وتخمد عنده جمرة اليحموم، يخجل بتفويفه الرياض، ويسابق أسهم راكبه إلى الأغراض، ومن أبلق عظمت فصوصه، واشتهر حسنه وشهر قميصه طويل الحزام والذيل، هامته وشامته من الليل، يمرح في جلاله ويولع إذا غابت الخيل بمسابقة خياله، ينحط الوجيه عن أوجه، ويغرق الفياض في موجه، يسبق النعامى والنعامة، وينظر بعيني زرقاء اليمامة:
جرد بهن لكل عين جنة ... فإذا جرين أتين بالنيران
يحكين في البيدا النعام رشاقة ... ويسرن في الأنهار كالحيتان
ثم إن الملك أمر، برد الجنائب، وأذن في عرض النجائب، فأقبلت تتهادى صحبة سواسها، وتتبختر في مصبغات أكوارها وأحلاسها. فمن حرة لونها أحمر، وليل مسراها واضح أقمر، عنكرة غيطموس، تميل إليها الخواطر والنفوس، موراة اليدين بعيدة وخد الرجلين، أنحلها التيار وهذبتها الأسفار، ومن سرداح لونها أرمك، يكاد خيال السماك بها يتمسك، ملئت بالذوح والإسئاد تخالط حمرتها السواد، جميلة الصفات، مرقال حسنة الشمائل، شملال رحبة الصقل والخطا، لا يعرف لها عدول عن الطريق ولا خطا.
ومن رقوب لونها أزرق، تطفو في بحر العراب كالزورق، ظهيرة دوسرة، منوفة بهزرة تطس الآكام وتثبت في أثواب ورق الحمام، موصوفة بالإعصاف معروفة بالأعناق والإيجاف، ومن أمون لونها جون، وكون مثلها في محاسن الكون، تميل أن شبهتها إلى الدجى، ولا تمل من السير ولو براها الوجا، لها فخذان لحمهما وافر، وذنب تكنفه جناحا طائر، تسابق الريح في خطراتها، وتطأ جمر القيظ بجمراتها، ومن وجناء لونها أصهب ورباطها الدمقسي مذهب، ترعى الحدائق وترعى الحادي والسائق، شكول عسبور، تسامي رأسها أعواد الكور غائرة الأحداق، سريعة الاندفاع والانطلاق.
ومن مصاح لونها أغمش، وكل من قوائمها أحمش، يخالط بياضها شقرة، يولد الاجتماع بها طريقاً إلى النصرة، هوجاء وفاق روعاء مزاق، ترض الحصا برصها وتستطلع الإخبار بنصها، ومن شمردلة لونها أحوى، مهارق البيض بغيرها لا تطوى، تجوب القفار وتجوس خلال الديار، مشفرها رقيق وسبيب وظيفتها وثيق، تختال في شنفها وزمامها، وتدهش الأبصار بسنا سنامها.
وحوص غدت سفن المهامه والفلا ... ألم ترها تطفو على بحر آلها
تخط حروفاً بالمناسم في الثرى ... يقصر عن تحريرها ابن هلالها
فلما تكامل العرض بعد الطول، وأفلت أقمار الإبل وغابت شموس الخيول، أخذ الحاضرون في تذكر أشكالها وأفاضوا في نعت محاسنها، وجمالها. ثم إن الملك أمر بإحضار الطعام، واشتغل الناس بالمائدة عن الأنعام". وامتدح البحتري سعيد بن حميد الكاتب طالباً منه فرساً بقوله:
جئناه إذ لا الترب في أفنائه ... يبس ولا باب العطاء بمرتج
والبيت لولا أن فيه فضيلة ... تعلو البيوت بفضلها لم يحجج
بطل يخوض الخيل وهي شوائل ... خلف الإسنة وهو غير مدجج
ومنها:
فأعن على غزو العدو بمنطوٍ ... أحشاؤه طي الرداء المدرج
إما بأشقر ساطع أغشى الوغى ... منه بمثل الكوكب المتأجج
متسربل شية طلت أعطافه ... بدم فما تلقاه غير مضرج
أو أدهمٍ صافي الأديم كأنه ... تحت الكمي مظهر بالنردج
ضرم يهيج السوط من شؤبوبه ... هيج الجنائب من حريق العرفج
خفت المراقع وطأه فلو أنه ... يجري برملة عالج لم يرهج
أو أشهب يققٍ يضي وراءه ... متن كمتن اللجة المترجرج
يخفي الحجول ولو بلغن لبانه ... في أبيضٍ متألقٍ كالدملج
أوفى بعرف أسودٍ متعرفٍ ... فيما يليه وحافرٍ فيروزج
أو أبلقٍ يلقى العيون إذا بدا ... من كل لون معجب بنموذج
جذلان تحسده الجياد إذا مشى ... عنقاً بأحسن حلة لم تنسج
أرمي به شوك القنا وأرده ... كالسمع أثر فيه شوك العوسج
وأقب نهدٍ للصواهل شطره ... يوم الفخار وشطره للشحج
خرق يتيه على أبيه ويدعي ... عصبية لني الضبيب وأعوج
مثل المزرع جاء بين عمومة ... في غافق وخؤولة في الخزرج
لاديزج يصف الرماد ولم أجد ... حالاً تحسن من رواء الديزج
وعريض أعلى المتن لو عليته ... بالزيبق المنهال لم يترجرج
خاضت قوائمه الوثيق بناؤها ... أمواج تجبيب بهن مدرج
ولأنت أبعد في السماحة همة ... من أن تضن بملجم أو مسرج
وقال علي بن موسى العنسي:
ولكم سرينا في متون ضوامر ... تثني أعنتها من الخيلاء
من أدهمٍ كالليل حجل بالضحى ... تنشق غرته عن ابن ذكاء
أو أشهبٍ يحكي غدائر أشيب ... خلعت عليه الشهب فضل رداء
أو أشقر قد نمقته بشعلةٍ ... كالمزج ثار بصفحة الصهباء
أو أصفر قد زينته غرة ... حتى بدا كالشمعة الصفراء
طيرٌ ولكن لا يهاض جناحه ... ريحٌ ولكن لم تكن برخاء
وقال دريد بن الصمة:
فآبت سكيباً من أناس تحبهم ... كئيباً ولولا طلعتي لم تطلق
بخيلٍ تنادي لا هوادة بينها ... شهدت بمزلال المعاقم محنق
عظيم طويل غير جاف نما به ... سليم الشظا في مكربات المطبق
معرض أطراف العظام مشرف ... شديد مشك الجنب نعم المنطق
من الكاتمات الربو ينزع مقدماً ... سبوق إلى الغايات غير مسبق
إذا ما استحمت أرضه من سمائه ... جرى وهو مودوع وواعد مصدق
وباض الشمال طعنه في عنانه ... وباع كبوع الخاضب المتطلق
دعته جواد لا يباع جنينها ... لمنسوبة أعرافها غير محمق
بصير بأطراف الحداب ترى له ... سراة تساوى بالطراف المروق
الباب الرابع في الغرة والتحجيل والدوائر وأسماء المفاصل والطبائع والصهيل وفيه ستة فصول
الفصل الأول في الغرة
وهي تسعة أنواع: لطمى وشادخة وسائلة وشمراخ ومنقطعة وسارحة وحنفا وشهبا ومتمصرة، فاللطمى ما أصاب بياضها عيني الفرس أو إحداهما أو خديه أو أحدهما. قال عبيد بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما: "إذا كان سيفي ذا الوشاح ومركبي اللطيم فلم يطلل دم أنا طالبه". والشادخة، ما فشت في الوجه ولم تصب العينين ودقت وسالت. والسائلة، ما عرضت في الجبهة واعتدلت على قصبة الأنف أو سالت على أرنبته حتى رثمتها. والشمراخ، ما دقت وسالت في الجبهة وعلى قصبة الأنف ولم تبلغ الجحلفة قال مالك بن عوف:
وقد أعددت للحدثان عضباً ... وذا الشمراخ ليس به اعتلال
وقال آخر:
ترى الجون والشمراخ والورد يبتغي ... ليالي عشر وسطنا فهو عائر
والمنقطعة ما بلغت محل المرسن وانقطعت أو كانت ما بين العينين والمنخر وهي أحسن الغرر. والسارحة ما ملأت الوجه ولم تبلغ العينين. والحنفاء ما كانت إحدى عينيها زرقاء والأخرى سوداء. والشهباء ما كان فيها شعر يخالف البياض. والمتمصرة ما كانت على الجبهة وعلى قصبة الأنف وبين العينين منقطعة.
والحاصل إن كل بياض فشا في وجه الفرس فوق الدرهم يسمى غرة على اختلاف أنواعها فإن كان قدر الدرهم فما دونه يسمى قرحة. فإن كانت بين العينين تسمى نجمة، وهي أحسن القرح، وإن كانت على الجحفلة السفلى، سميت لمظاً، أو على قصبة الأنف سميت عيسوباً.
ومما يجري في الخيل مجرى الفراسة في الإنسان، أن الغرة إذا استدارت وحكت حرف الهاء تدل على اليمن والبركة. والشعرات القليلة خير ونجاة. والسائلة إن غطت عيناً واحدة دلت على الشؤم وقتلها مع راكبها، وقال بعضهم مخصوص بالعين اليسرى، فإن غطت الاثنتين دليل غصبها وقهر صاحبها، فإن كانت مائلة إلى الجهة اليمنى دليل الشؤم أو إلى الجهة اليسرى دليل الغنم، فإن سالت إلى الأنف دليل النسل والبركة والنجاح، والمنقطعة دون الأنف بعكسها وإن عمت الحاجب فلا فيها.
الفصل الثاني في التحجيل
وهو بياض في قوائم الفرس، يبلغ نصف الوظيف، مأخوذ من الحجل وهو الخلخال، فإن كان في القوائم كلها فمحجل أربع، وإن كان في ثلاث فمحجل ثلاث، مطلق يد أو رجل يمنى أو يسرى، وإن كان في الرجلين فقط فمحجل الرجلين، وهو ممدوح، قال الشاعر:
محجل رجلين طلق اليدين ... له غرة مثل ضوء الإراث
الإراث ككتاب: النار. وإن كان في اليدين، فأعصم اليدين فإن كان في وجهه وضح يقال له محجل لا أعصم وإن كان في يده اليمنى ورجله اليسرى أو بالعكس أو كان في يد ورجل من شق واحد فمشكول، وهو مكروه شرعاً وعند العرب.
عن أبي هريرة رضي الله عنه: "كان صلى الله عليه وسلم يكره من الخيل الشكال". وقال ابن النحاس: "إن الفرس الذي قتل عليه الحسين عليه السلام كان أشكل"، فإذا كان مع ذلك أغر زالت الكراهة عنه لأن الغرة تثلثه. فإن كان في إحدى يديه بياض قل أو كثر فأعصم. فإن كان في اليمنى فأعصم اليمنى أو في اليسرى فأعصم اليسرى، ومنكوس اليسرى وهو مكروه. وإن كان البياض في إحدى رجليه فأرجل، وهو مكروه إلا إذا كان البياض في اليسرى قال الشاعر:
أسيل نبيل ليس فيه معابة ... كميت كلون الصرف أرجل أقرح
الصرف بالكسر صبغ أحمر. والتحجيل إن جاوز أرساغ الفرس سمي تخديماً، فإن بلغ الجبب فما فوق ولم يبلغ الركبتين والعرقوبين سمي تجبيباً، فإن بلغهما أو جاوز العضدين والفخذين سمي تسرولاً، فإن بلغ الساقين والذراعين سمي إخراجاً. وكل قائمة فيها بياض تسمى ممسكة، والخالية منه تسمى مطلقة، والبياض المستطيل في التحجيل يسمى مستريحاً، لأن الشرط في التحجيل الإدارة، فإن خلا الفرس من البياض سمي بهيماً، وإن كان في ناصيته أو ذنبه أو قذاله خصلة بيضاء سمي أشعل. وقد أكثر الشعراء من مدح الغرة والتحجيل فمن ذلك قول ابن دريد:
كأنما الجوزاء في أرساغه ... والنجم في جبهته إذا بدا
وقال حازم:
كأنما أشرف من تحجيله ... سوار عاج مستدير بالعجا
وقال قسام من بني جعدة:
أغر قتامى كميت محجل ... خلا يده اليمنى فتحجيلة حسنا
وقال سلامة بن الخرشب:
تعادي من قوائمها ثلاث ... بتحجيل، وواحدة بهيم
كأن مسحتي ورق عليها ... وتحت قرطها أذن خديم
أي كأنها لبست صحيفة فضة من حسن لونها وبريق جلدها.
وقال امرؤ القيس:
كأن نجوماً علقت في مصامه ... بأمراس كتان إلى صم جندل
شبّه التحجيل ببياض نجوم السماء وأعصاب الساقين بحبال الكتان وصلابة الحافر بالحجر، وقال أبو سهل:
أطرف فات طرفي أم شهاب ... هفا كالبرق أضرمه التهاب
أعار الصبح صفحته نقاباً ... فقربه وصح له النقاب
فمهما حث خال الصبح وافى ... ليطلب ما استعار فما يصاب
إذا ما انقض كل النجم عنه ... وصلت عن مسالكه السحاب
فيا عجباً له فضل الدراري ... فكيف أزال أربعه التراب
سل الرواح عن أقصى مداه ... فعند الريح قد يلفى الجواب
وقال الحافظ الحجاري:
ومستبق يحار الطرف فيه ... ويسلم في الكفاح من الجماح
كأن أديمه ليل بهيم ... تحجل باليسير من الصباح
إذا احتزم التسابق صار جرماً ... تقلب بين أجنحة الرياح
وقال الصفي الحلي:
أغر تبري الإهاب مورد ... سبط الأديم محجل ببياض
أخشى عليه أن يصاب بأسهمي ... مما يسابقها إلى الأغراض
وقال:
أخمدت بالإدلاج أنفاس الفلا ... وكحلت طرفي في الظلام بسهده
بأغر أدهم ذي حجول أربع ... مبيضه يزهو على مسوده
خلع الصباح عليه سائل غرةٍ ... منه وقمصه الظلام بجلده
فكأنه لما تسربل بالدجى ... وطيء الضحى فابيض فاضل برده
قلق المراح فإن تلاطم خطوه ... ظن المطارد أنه في مهده
أدمى الحصى من حافريه بمثله ... وأراع ضوء الصبح منه بضده
وقال:
وأدهم نيق التحجيل ذي مرح ... يميس من تحته كالشارب الثمل
مضمر مشرف الأذنين تحسبه ... موكلاً باستراق السمع عن زحل
ركبت منه مطاليل تسير به ... كواكب تلحق المحمول بالحمل
إذا رميت سهامي فوق صهوته ... مرت تهاديه وانحطت عن الكفل
وقال البحتري:
جذلان تلطمه جوانب غرة ... جاءت مجي