الخيل فى عهد المماليك

 

 

 

(صفة الفرس المسطوح على ظهره) من كتاب الزردفة في معرفة الخيل وأجناسها وأمراضها وأدويتها نسخ لمكتبة يلباي من قاني باي الحمزاوي ، اسطنبول المكتبة الجامعة، يرجح ان هذا المخطوط من عهد المماليك البرجيين

صورة مرسومة لفارس مملوكي يمتطي صهوة جواده

بدأت عناية أمراء مصر بتربية الخيول العربية الأصيلة في القرن الثالث عشر الميلادي، وكانوا يهتمون باختيار الخيل التي تمتاز بجمال المنظر وسرعة العدو وقوة الاحتمال، وقد جاء في كتاب "المواعظ والاعتبار" للمقريزي: أن الملك الناصر محمد بن قلاوون تاسع السلاطين المماليك المماليك
المماليك هم سلالة من الجنود حكمت مصر والشام والعراق وأجزاء من الجزيرة العربية أكثر من قرنين ونصف القرن وبالتحديد من 1250 إلى 1517 م.تعود أصولهم إلى آسيا الوسطى.قبل أن يستقروا بمصر و التي أسسوا بها دولتين متعاقبتين كانت عاصمتها هي القاهرة: الأولى دولة المماليك البحرية، ومن أبرز سلاطينها عز الدين أيبك وقطز والظاهر بيبرس والمنصور قلاوون والناصر محمد بن قلاوون والأشرف صلاح الدين خليل ، ثم تلتها مباشرة دولة المماليك البرجية بانقلاب عسكري قام به السلطان الشركسي . فبدأت دولة المماليك البرجية الذين عرف في عهدهم أقصى اتساع لدولة المماليك في القرن التاسع الهجري الخامس عشر الميلادي . وكان من أبرز سلاطينهم برقوق وابنه فرجوإينال والأشرف سيف الدين برسباي فاتح قبرص وقانصوه الغوري وطومان باي.
، كان شغوفًا بامتلاك الخيول العربية الأصيلة، وخاصةً من قبائل آل مهنا وآل الفضل وغيرهما، وبسبب حبه للخيول كان يبالغ في إكرام العرب، ويرغبهم في أثمان خيولهم حتى خرج عن الحد في ذلك، وكانت قبيلة آل مهنا يأتون السلطان بأفضل الخيول العربية من غيرهم من قبائل العرب، وكانوا يدفعون الأثمان الزائدة فيها، حتى أتتهم قبائل العرب بأفضل خيولهم، فمكنت آل مهنا من السلطان وبلغوا في أيامه أعلى المراتب. (لقد سطعت شمس عرب آل فضل في القرنين السابع والثامن الهجريين أيام دولة المماليك فأصبحوا من ملوك العرب وسادات البراري العربية، وعندما كان يصدر المرسوم الملكي من القاهرة أو دمشق من الملك المملوكي بتثبيت أو تعيين الشيخ الفضلى فإن المرسوم كان يصف هذا الشيخ العربي بـ"ملك العرب" أو بـ"سلطان العرب" أو بسيد عربان البوادي والحواضر في الشام ومصر والعراق والحجاز ونجد. ومن أشهر مرابط الخيل الصقلاويات عند آل فضل هو مربط خيل شيخهم الشهير مهنا بن عيسى بن مهنا "ت735 هـ"، وفي العموم فان آل فضل كانوا جميعًا مشهورون باقتناء الخيل العراب صقلاويات وغيرها. وكان السلطان لا يحب الخيول من نوع "برقة" وإذا باع منها شيئا أعده للتوزيع والإهداء على الأمراء، وكان لا يسمح بإهداء أو توزيع الخيل القادمة من قبيلة آل مهنا إلا لأعز الأمراء وأقرب الخواص، وكان السلطان جيد المعرفة بالخيل وصفاتها وأنسابها، ولا يزال يذكر أسماء من أحضرها إليه والثمن الذي دفع فيها، فلما اشتهر بذلك جلب إليه أهل البحرين والإحساء والقطيف وأهل الحجاز أفضل خيولهم، فدفع لهم في الفرس الواحدة من عشرة آلاف درهم إلى عشرين إلى ثلاثين ألف درهم، منها ألف وخمسمائة مثقال من الذهب، بالإضافة إلى ما كان ينعم به من الثياب الفاخرة والسكر وغير ذلك من المرغبات، فلم تبق قبيلة من العرب إلا وأحضرت له أفضل خيلها وبلغ من شدة حب السلطان للخيول ورغبته فيها أن دفع في يوم واحد ثمناً لشراء بعض الخيول ألف درهم، وتكرر هذا منه أكثر من مرة فقد بلغ ثمن الفرس الواحد من خيل قبيلة آل مهنا الستين ألف درهم والسبعين ألف درهم، واشترى كثيرًا من "الفرسات" بالثمانين ألف درهم والتسعين ألف، فقد اشترى الفرسة "بنت الكرشا" بمائة ألف درهم منها خمسة آلاف مثقال من الذهب، بالإضافة إلى العطايا السلطانية من الضياع في بلاد الشام، وكان من عنايته بالخيل أنه كان يتفقدها بنفسه، فإذا أصيب منها فرس أو كبر سنه بعث به إلى المراعي، وتحدث عملية التناسل بين الفحول المعروفة عنده والفرسات بين يديه. وكتاب الإسطبل تؤرخ تاريخ نزوها واسم الحصان والفرسة، وكان يشرف بنفسه على ولادة الإفلاء "أبناء الخيل" والمهار وعلى تسجيلها بسجل خاص، فتوالدت عنده خيول كثيرة اغتنى بها عن شراء الخيول.

 

وقد شيد السلطان قلاوون الكثير من الإسطبلات الفسيحة والميادين العظيمة للسباق، كما أنه خصص لها فريقًا من البدو الماهرين؛ لتدريب الخيل والعناية بها، وكان يقيم السباقات السنوية التي تشترك فيها خيله الخاصة مع خيل الأمراء. ومما سيذكر في هذا المضمار أنه في إحدى المرات بعث إليه أحد أمراء قبيلة آل مهنا وهو الأمير مهنا فرسًا شهباء على أنها إن سبقت خيل مصر فهي للسلطان وإن سبقها فرسه ردت إليه، ولا يركبها عند السباق إلا رجل بدوي يقودها، فوصل السلطان إلى ميدان السابق كعادته ومعه أمراؤه، ووقف معه سليمان وموسى وابنا مهنا، وأرسلت الخيول من منطقة بركة الحاج على عادتها وفيها فرس مهنا وقد ركبها البدوي عريًا بدون سرج؛ فأقبلت سائر الخيول تتبعها حتى فازت بالسباق وهي بدون سرج، والبدوي عليها بقميص وطاقية، فلما وقفت بين يدي السلطان صاح البدوي: السعادة لك اليوم يا مهنا لا شقيت...، واستمر الحال على هذا المنوال لبعض الوقت، ثم هزل الاهتمام بالخيل بعد وفاة السلطان الناصر حيث مات عن أربعة آلاف وثمانمائة فرس، وبطل بعده السباق، وظل الحال هكذا حتى بداية حكم السلطان برقوق (الملك الظاهر سيف الدين) أول المماليك البرجيين المصريين في نهاية القرن الثالث الميلادي.

 

 

وبمجيء السلطان برقوق إلى الحكم تجدد الاهتمام بالخيل العربية، حيث حاول اتباع خطوات السلطان الناصر، وقد أنتج بالفعل الآلاف، حيث اقتنى سبعة آلاف رأس من الخيل إلا أن هذا الاهتمام لم يدم بعد هذا السلطان أيضًا وأخذت حالة الخيل تتردى من سيئ إلى أسوأ، حتى أعتلى عرش مصر "محمد على الكبير" في بداية القرن التاسع عشر.

 

ويقول جمال الغيطاني في كتابه ملامح القاهرة في ألف سنة واصفا سوق الخيل في العصر المملوكي

نتجه إلى ميدان الرملية الممتد تحت قلعة الجبل، ربما كان التجول في سوق الخيل مدخلاً طبيعياً إلى عالم رحب، وثيق الصلة بكافة تفاصيل الحياة خلال العصور الوسطى، لم يتغير موقع هذا السوق طوال العصر الوسيط، ترتفع صيحات الدلالين والمنادين، أنواع عديدة من الخيول، لكنها موزعة على ثلاثة أقسام رئيسية، الخيول العربية، أنفسها، وأغلاها قيمة، مطلوبة للسباق، وللحاق، مصدرها بلاد الحجاز، ونجد، واليمن، والشام، والعراق، ومصر، وبرقة. النوع الثاني، تركي أو أعجمي وكانت تسمى الهماليج، أو الأكاديش، مرغوبة لصبرها على السير الحثيث، وسرعة المشي، النوع الثالث مولد بين العربية والأعجمية، إذا كان الأب أعجمياً والأم عربية قيل له هجين، وهي وسط بين النوعين السابقين، أما الخيول الإفرنجية فهي أفشل الأنواع، وأرخصها ثمناً هنا، ولا يقبل عليها أحد.

اللوحة 5: ثلاثة فرسان يقاتلون بالرمح والقوس والسيف، على حافة الطست المسمى معمودية القديس لويس، وهو طست من البرونز ومطعم بالفضة من مصر المملوكية باريس، متحف اللوفر، الرقم LP16

قام النظام المملوكي على دعامتين، الفارس، والفرس، ربما كان هذا سبباً قوياً في أهمية سوق الخيل، وقربه من قلعة الجبل، مركز الحكم، ورمز السلطة في مصر وقتئذ، في السوق نرى ألواناً عديدة، غير أن الألوان الأساسية أربعة، وما عدا ذلك متفرع منها، الأول: اللون الأبيض، وكان سلاطين المماليك يفضلونها، ويطلقون عليها، الفرس البوز. ويذكر ابن إياس في "بدائع الزهور" أن السلطان الغوري عندما خلع على قرقد بيك العثماني أهداه فرس بوز بسرج ذهب وكنبوش، ولا يذكر خروج السلطان الغوري في المواكب إلا ممتطياً فرس بوز أبيض، الثاني: هو الأسود، وكل فرس شديد السواد كان يطلق عليها "أدهم". والثالث: هو اللون الأحمر، ويسمى الكميت، واللون الرابع: هو الأصفر.

ومعرفة ألوان الخيل ضرورية بالنسبة للفرسان، وقادة الوحدات العسكرية، وأحياناً كان بعض الفرسان يحرصون على ركوب فرس ذات لون معين في كل يوم، وجرى العرف أن يكون ركوب الأدهم أي الأسود يوم السبت، ويوم الأحد للأبيض، والاثنين للأخضر، والثلاثاء للكميت، والأربعاء للأبلقي وهو ما كان بياضه بين بين، ويم الخميس للأشقر ويوم الجمعة للمحجل، ولهذه الألوان علاقة بالتفاؤل، ولا يقتصر التفاؤل والتشاؤم على اللون العام للفرس، وإنما يتعلق الأمر ببعض العلامات في جسده، فالغرة أي البياض الذي يكون في وجه الفرس، إذا استدارت أو كانت تشبه حرف الحاء فإنها تدل على اليمن والبركة، وإذا أصاب البياض خدا دون الآخر، فإن الفرس يكون مكروهاً، ويتشاءم به، كذلك إن غطت عيناً دون الأخرى فيصبح من المتوقع أن تقتل مع صاحبها، أما إذا غطت العينين فإنها تقهر مع فارسها، وإن مالت إلى اليمين تدل على الشؤم، وإلى اليسار فإنها تدل على المكاسب، وإن وصلت إلى الأنف فإنها تدل على البركة والخير، وإن كان هناك لون يخالف لون الفرس في رجلين مختلفين فإنه مكروه، وفي سنة 802هـ- 1399م، كسر الأمير تنم وسقط أسيراً، واستفسر المؤرخ ابن تغرى بردى عن سبب وقوع الأمير عن فرسه، ثم أسره. فقالوا: كان في فرسه شؤم، وأشاروا إلى هذه العلاقة، وقالوا: إن أصحابه نهوه عن ركوبه فأبى.