قوميسيون الخيول، قسم الحيوانات بالجمعية الزراعية الملكية
للحاجة الملحة إلى الخيل لخدمات الجيش والشرطة فقد أسست الحكومة المصرية سنة 1892م جمعية برئاسة الأمير عمر طوسون؛ للنظر في تربية الخيول واتخاذ الوسائل التي تؤدي إلى تحسينها وتعمل على الحصول على عدد من الخيول الأصيلة للإكثار منها. وأقيمت معارض للخيول في المديريات المختلفة، ومنحت للفائزين جوائز قيمة، وانتخبت الأفراس المناسبة، وقيدت بدفاتر خصصت لذلك، وأعطيت لأصحابها بطاقات مبينة بها أوصافها، وصرحت الحكومة بالوثب من خيولها على تلك الخيول بلا مقابل، وقد واجهت الجمعية في بادئ الأمر بعض الصعوبات في إيجاد الفحول العربية من البلاد العربية؛ بسبب رفض الحكومة العثمانية تصدير أي جواد من سوريا إلى مصر، واضطرت الجمعية إلى الاستعانة بفحول إنجليزية، وانتقت ذوات الأحجام الصغيرة منها والتي كانت تشبه إلى حد ما الخيول العربية، وذلك بغية الحصول على أفراس يزيد حجمها قليلاً عن حجم الخيل العربية، ولكن الجمعية قررت إعادة الخيول إلى إسطبلات بهتيم، حيث يوجد بها محطة تجارب، بدلاً من تركها طول السنة وذلك بهدف تحديد موعد الحمل والميلاد، وذلك بمنع الخيل من النزوي خلال فترة الصيف، فبقيت الخيول في بهتيم في الفترة من مايو وحتى سبتمبر، وبذلك يضمنون أن يأتي النسل في موسم البرسيم الذي يدر اللبن لكن كانت المفاجأة غير السارة في أن النتاج عربي "إنجليزي شرس وكثرت الشكوى منه، وقد استمرت هذه التجربة حتى سنة 1914م حيث فشلت. ويؤكد الدكتور أحمد مبروك رئيس قسم تربية الحيوانات بالجمعية الزراعية الملكية ذلك في تقريره 1938م فيقول: "ولقد تابعت هذه النتيجة بنفسي إذ إنني في سنة 1909م عندما كنت طبيبًا لشفخانة الحكومة كلفت بخصي نحو المائة من هذه الخيول النصف إنجليزية لشراستها وقتلها بعض عساكر البوليس، وكان يندر في ذلك الوقت أن يطلب منا خصي حصان عربي لشراسته.
وبناًء على ذلك فقد قررت الجمعية نبذ هذه الفكرة والعودة إلى الاستعانة بخيول عربية خالصة. ولاعتقاد الجمعية بصعوبة العثور على فحول عربية خالصة من البلاد العربية التي تعرضت -حسب اعتقاد الجمعية-لاحتلال الجيوش الأجنبية لها واحتمال اختلاط الدم العربي بدماء أجنبية، فقد اكتفت بما تيسر لها مما تبقى من خيل عباس باشا العربية النقية الدم، التي انتخبها علي شريف باشا، والتي كانت وقتئذ بحوزة الخديوي عباس باشا حلمي الثاني في القبة والأمير محمد علي في المنيل، بالإضافة إلى خيل الليدي أن بلنت العربية النقية الخالصة والتي كانت في عين شمس.
وفي سنة 1912م تألفت جمعية دولية للمحافظة على الخيول العربية الأصيلة في مصر تحت رعاية الجناب العالي عباس باشا الثاني ورئاسة الأمير محمد علي باشا، الذي أنفق أموالاً طائلة في هذا السبيل، وعضوية الأمير يوسف كمال والمرحومين الأمير كمال الدين حسين، والبرنس شرباتوف مربي الخيول الروسية الشهير، وعمر باشا سلطان وغيرهم، وضعت قوانين ورسمت مشروعات لا محل لذكرها إذ لم ينفذ منها شيء في حين أنه قد تحققت كل المخاوف التي تنبأت بها هذه الجمعية، بل زاد عليها فتك الأمراض والأسلحة بخيول العرب أثناء الحرب العظمى وقلة الغزو بعد الحرب وطغيان النقل الميكانيكي واعتماد الجيوش على السيارات والدبابات والطائرات وكل ذلك ينذر باندثار الحصان العربي.
وفي عام 1919م اشترت الجمعية من إسطبلات الليدي وينثورت ابنه الليدي بلنت 18 فرسًا عربيًّا أصيلاً لاستعمالها للطلوقة في الأرياف، ومهرتين صغيرتين للتربية.والمقصود بالخيل الطلوق هو الحصان الذكر الذي يستعمل في تلقيح أنثى الخيل ومن ذلك الحين لم تجلب الجمعية الزراعية خيولاً إنجليزية، وقد نجحت الجمعية في تربية هذه الأصايل نجاحًا شجعها على متابعة عملها حتى صارت جميع الخيول الطلوقه من هذا الصنف العربي الأصيل.
وفي عام 1928م صدر الأمر الملكي بإنشاء محطة تربية الخيول بكفر فاروق؛ حيث رأى رئيس الجمعية في ذلك الوقت الأمير عمر طوسون أن إسطبلات بهتيم لم تعد تتسع لتربية وإيواء عدد كبير من الخيول، وأن أرض بهتيم ليست المكان الذي يتناسب مع طبيعة الحصان العربي ونشأته، ولذا قرر أن يبني إسطبلات أخرى لهذا الغرض، وذلك لتهيئة ظروف أشبه ما تكون بالبيئة الطبيعية للخيول العربية، وتحقيق الاكتفاء الذاتي من الخيول وعدم استيرادها وزيادة النتاج والحفاظ على عدد معين، وبيع الباقي في مزاد سنوي لنشر الحصان العربي. فاختارت الجمعية لذلك خمسة وخمسين فدانًا في بقعة صحراوية تقع بحري مصر الجديدة وشرقي محطة عين شمس، وأنشأت بها الإسطبلات اللازمة وترك حولها فضاء فسيح؛ لترويض النتاج، ونقل إليها في سنة 1930م فرع تربية الخيول بالجمعية الزراعية الملكية، وبعد قيام الثورة المصرية 23 يوليو 1952م تحول اسم الجمعية الزراعية الملكية إلى الهيئة الزراعية المصرية.
وقد ثبت للجمعية أن التربية الصحراوية تساعد الحصان العربي على الاحتفاظ بجمال شكله وحسن تركيبه وصلابة أوتاره وقوة عضلاته وسلامه أعضاء التنفس فيه. ورغبة من الجمعية في الحفاظ على نتاج الأفراس المعروفة بنشاطها وقوتها عمدت إلى التناسل الحوبي، أي تناسل الأقارب الأقربين مع الحذر الشديد والدقة في التحري عن الأصل للخيول العربية التي حازت قصب السبق في ميادين السباق، والمشهود لها من نادي السباق وهو الهيئة الوحيدة التي تعرض عليها جميع الخيول التي تأتي من الشام والعراق ونجد لتشبيهها.
غير أنه رؤي أن التناسل الحوبي بين هذه الخيول الأصيلة خوفًا على أصالتها، أضعف قوتها. وقد أثيرت هذه المشكلة في اجتماعات كثيرة لإدارة الجمعية الملكية، وأستقر الرأي على أنه إذا استمرت الجمعية على خطة تناسل الأقارب فإن نتائج هذه الخيول العريقة النسب قد يفقدها صفاتها الممتازة من قوة ونشاط واحتمال. إذ دل الاختبار في جميع فروع التربية على أن استمرار التوالد الضيق النطاق أو التوالد الحوبية يؤدي حتمًا إلى تدهور الصفات، ولا يمكن أن ينقذ الموقف إلا بتجديد الدم بتزويج بعيد، ولقد عرفت هذه الحقيقة معظم الممالك التي تعنى بتربية الخيول العربية الأصيلة: كبولندا وهنغاريا وروسيا وأمريكا؛ فجرت على خطة الالتجاء إلى بلاد العرب؛ لاستيراد خيول ممتازة لتجديد دم خيولها الأصايل.
ولذا قررت الجمعية الزراعية الملكية إيفاد الدكتور أحمد مبروك، رئيس قسم تربية الحيوانات بالجمعية الزراعية في ذلك الوقت، للسفر إلى بلاد الحجاز ونجد والعراق والشام؛ للبحث عن خيول عربية أصيلة؛ لتجديد الدم لتلافي التناسل الحوبي ومعرفة أحسن طرق تربية الأصايل وأنجحها، للوصول بما لدى الجمعية من الأصايل العربية إلى درجة الكمال، لكنه لم يأت إلا بحصان واحد من بيروت؛ لعدة أسباب جاءت في تقريره: أهمها عدم وجود طلائق جيدة مما أدى لاضمحلال الحصان العربي في مهده وعدم وجود سجلات لأنساب الخيول
ويقول الدكتور مبروك في تقريره: "هناك صعوبات جمة صادفتني في هذه المهمة لما تبيننه من اضمحلال الحصان العربي في مهده، وعدم وجود سجلات لأنساب الخيول العربية في أي جهة من الجهات. وليست هذه العقبة بنت اليوم؛ بل صادفت غيري في طريقهم من سنين عديدة عندما كانت الخيول العربية أقل تدهورًا منها الآن، فقد سبق أن كتب مستر براون في كتابه عن رحلته إلى بلاد العرب قائلا: "وبعد بحث طويل لم نجد في العراق خيولاً ممتازة تلفت النظر بنقاوتها وصفاتها، كما أن خيول حمص وحماة وحلب كانت من الطراز نفسه".
وأيضًا في سنة 1875م عندما كانت بلاد العرب تعج بالخيول العربية قصد الميجور "روجرأبتن"، وهو ضابط إنجليزي في سلاح الفرسان البريطاني، أرسلته الحكومة البريطانية إلى البلاد العربية؛ للبحث عن الجياد العربية الأصيلة لصالح سلاح الفرسان البريطاني، وبعد رحلة دامت سنتين لم يظفر إلا بفرس واحد تدعى نعومي.
ولقد وجدت في إخفاق غيري في الوصول إلى الغاية التي رميت إليها بعض التعزية، فلقد أخفق هؤلاء في زمن كانت الظروف أكثر مناسبة لهم، وكانت العناية بتربية الخيول فيما مضى متوافرة نزيهة بعيدة عن الخلط، وكان عددها وافرًا يسمح بالتوفيق في الاختيار.
ولعل أكبر شاهد على أن الثقة بنقاوة الخيول العربية في بلاد العرب أصبحت موضع الشك، ما رأيته من امتناع سمو الأمير فيصل بن عبد العزيز نائب الملك على الحجاز عن إعطاء شهادة منه تثبت نقاوة أصول الخيول، التي وقع عليها اختياري لحسن شكلها ومتانة تركيبها، ولو أنها كبيرة في السن؛ ذلك لأنه لا يثق إلا بالخيول التي ربيت في نجد، ويعرفها معرفة شخصية كأن يربيها هو بنفسه، وتكون منحدرة من خيول أجداده، على أن معظم الخيول النجدية لا تستحق أن تنقل إلى مصر لنقص في سلامة تركيبها، أو لكبر سنها، أو لوجود علامات غير مرغوب فيها.
ولقد تفضل حضرة صاحب الجلالة الملك عبد العزيز آل سعود فأظهر اهتمامًا بمهمتي، لما يكنه للقطر المصري وأهله، وخاصة لجلالة الملك، ولحضرة صاحب السمو الأمير عمر طوسون من تقدير، وإن كان هو نفسه أظهر الشك في نجاحي في المهمة.
وقد لاحظت في رحلتي أن صفوة الخيول العربية ترسل إلى مصر؛ للتسابق في مضمار السباق، وذلك لارتفاع الأثمان التي تباع بها في مصر. والفرصة التي تعرض لها في الحصول على جوائز كبيرة في السباق تغري تجار الخيل على البحث وحسن الاختيار" ولم يأت الدكتور مبروك إلا بحصان واحد من بيروت للأسباب السالف ذكرها
وللحفاظ على الحصان العربي في مصر اتبعت الجمعية الزراعية الملكية في ذلك الوقت عدة قواعد أهمها: انتخاب الحصان الطلوق على أن يكون حسن التركيب، متناسب الأعضاء، وافر العظام، خاليًا من العيوب الوراثية جميل الرأس، وأن يكون الطلوق بعيدًا عن نسب الفرس؛ تجنبًا للأمراض الوراثية.
ويبدأ وقت التزاوج من أكتوبر حتى أول مايو، ويأتي النتاج في موسم البرسيم؛ ليساعد على إدرار اللبن حتى يكون تركيب العظام متينًا.
وحفاظًا على النسب حرصت الجمعية على تدوين الأوصاف في سجل الفرس في الأسبوع الأول من ولادته مع صور فوتوغرافية في ملف خاص، وتدريب النتاج على أنواع الحركات المختلفة للسير، ويبدأ من يوم فطامه إلى أن يتم السنتين؛ حيث يصير ركوبه تدريجيًّا ثم يرسل إلى السباق لاختبار قوة احتماله.
في عام 1922م نصب الملك فؤاد ملكًا على مصر وكان من هواة السبق وداعمًا للجمعية الملكية الزراعية، وكانت إسطبلاته الخاصة الملكية تقع في إنشاص قرب القاهرة عام 1931م، وبعد وفاة الملك فؤاد سنة 1936م، تولى ابنه الملك فاروق الحكم حيث كان فاروق من هواة جمع الخيول العربية الأصيلة. وقد شهدت إسطبلاته الشهيرة –إنشاص- عصورًا مجيدة تحت إدارة الدكتور محمد رشيد أمهر الأطباء البيطريين. وقد شهدت هذه الإسطبلات ولادة أجود وأنبل الخيول، التي كونت أساس سلالة الجمعية الملكية الزراعية أو ما يعرف الآن باسم الهيئة الزراعية المصرية.
ومن هنا يمكن أن نؤكد على أن جهود أفراد العائلة المالكة المصرية قبل عام 1952م كانت رائدة في تربية أجود سلالات الخيل العربية.